مقالات

الدكتورة رشا الخشاب تكتب: رمضان.. وإحياء الهوية والتراث

في يوم 25 أبريل، 2023 | بتوقيت 5:54 م

كل عام ونحن جميعا بخير، وبعد إنتهاء شهر رمضان فهو شهر القرآن، ولما له من شهر مميز يختلف بكل رموزه ومعانيه ودلالاته عن باقي شهور السنة بل يختلف من دوله لأخرى، وحتى ما بين الدول الإسلامية بعضها ببعض، فكلا منه له هويته وطابعه وطريقته بالاحتفال وإحياء لياليه الرمضانية من صلاة وذكر وقراءة قرآن وتعبد.

شهر تتجلى فيه كل مظاهر التراث بشقيه من أكلات قطايف وكنافة وعصائر مثل السوبيا وقمر الدين وتمر الهندي، ويا ميش رمضان، والزينة التي تزدان بها الشوارع والمنازل، والفوانيس وموائد الرحمن ومدفع رمضان والأكلات التي ترتبط بها الدول من واجبات في أول الشهر وآخره، والملابس التي تتميز في هذا الشهر بأنواع التطريز المختلفة والتي يقبل عليها السيدات في هذا الشهر من تطريز للعبايات السيناوي وغيره، والليالي الدينية من إنشاد ديني ومدح وابتهالات بأصوات الشيوخ التي تطالعنا يوميا لتحمل لنا كل المعاني الروحانية.

وما تتزين به شاشات التلفزيون من ديكورات يتصدرها الفانوس والأغاني التراثية مثل (من أهل رمضان، ومرحب شهر الصوم مرحب، أهو جيه ياولاد) إلى أن نصل “والله لسه بدري يا شهر الصيام” ومع انقضاء الشهر الكريم تختفي معه كل مظاهر التراث والهوية الثقافية التي نشهدها خلال هذا الشهر الكريم وكأن هذا الشهر يٌجبر لكل محافظات مصر ودول العالم الإسلامي بإظهار تراثها باحتفالاتها وأحيائها للشهر، فلماذا لا يكون التراث عاده؟، تتمرسها الشعوب في حياتها اليومية وفي ممارساتها الطبيعية الأمر الذي يجعل الذاكرة حاضره لنا وللأجيال القادمة، بدلا من ضرورة تواجد مناسبة بعينها لاستحضارها فهي حاضرة بالفعل في حياتنا وفي ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدينا وممارستنا وفي هويتنا الثقافية وتنشئتنا الاجتماعية، فما أن تقول مصر إلا ان تظهر دلالة ثقافتنا وحضارتنا وعراقتنا وأصالتنا بكل معالمها ورموزها الثقافية، وما أن يُعرف أنك من محافظة الغربية أو الشرقية أو الصعيد الا ويتبادر إلى ذهنك “مولد السيد البدوي” و”الفطير المشلتت” و”العيش الشمسي والبت ” و”الجلاييه النوبي أو الجرجار”وغيره من رموز ثقافية لكل محافظة من محافظات مصر.

فالتراث ليس في حياتنا فقط بل يتجلى في الفن وفي الموسيقى وفي الأعمال الفنية المعمارية وفي الأزياء، حتى أنه في الوقت الحالي اتجهت الموضة للتركيز علي التراث وتعددت مصادر و منابع الأفکار التصميمية التي يستعين بها المصمم لکي يبتکر تصميمه المتفرد والجديد بما يصلح للغرض والوظيفة المطلوبة،وهناک مصادر ثلاث رئيسيات لمنابع الفکر التصميمي: وهي الطبيعة – الفنون بشمولها والحضارات الإنسانية – البيئة المحيطة، فتناول الأزياء الشعبية کأساليب وأنماط بإعتبارها جزء من التراث القومي لفنون الشکل يمکن الإستلهام منه لإبتکار تصميمات معاصرة لأزياء الموضة الراقية، فالتراث لا بد من أن يكون حاضرا دائما وأبدا لأنه ذاكره الأمة من لا تراث له لا تاريخ له.

كما تطالعنا شاشات التلفزيون بالأعمال الدرامية الرمضانية ومسلسلات شهر رمضان وبرامجها وفوازيرها وحتى إعلاناتها في بناء متكامل مع كل ما يتعلق بهذا الشهر من وفره ثقافية ومكونات تراثية تتضافر فيها مع بعضها البعض لتبرز معها ملامح الشهر.

وعلى الرغم من إلقاء الضوء عليه خلال الفترات الأخيرة من مبادرات واحتفالات ومهرجانات ثقافية للمحافظات، ولأدوار تقوم بها دول العالم للحفاظ على التراث، إلا أننا نجد أنه الميلاد الحقيقي للتراث والتعبير عنه فعلي على شاشات التليفزيون دائما الشهر الفضيل في أنه تراث مادي من موالد، ومساجد، ودور عبادة، واحتفالات، وأحياء الليالي الرمضانية،وما بين عاداتنا وتقاليدنا ولمتنا وما يترتب عليها من طقوس وشعائر، فليت العام كله رمضان حتى نعيش في هذه الأجواء التراثية للأبد دون انقطاع، فعندما نستمع لأغنيه وداع رمضان بصوت شريفة فاضل في أغنية “تم البدر” نشعر بالضيق لما لهذا الشهر من روحانيات وجماليات فنية وثقافية وتعبيرية تبرز فيها تفاصيل هويتنا الثقافية المتمايزة بدقة.