الدكتور أحمد الشعراوي يكتب: الشركات العائلية والحلقة المفقودة!!
تعد الشركات العائلية عصب الاقتصاد في العالم العربي، حيث تشكل غالبية الشركات العاملة فيه؛ لكن الفارق بينها وبين نظيراتها في العالم الغربي هو أن الأخيرة تترك إدارتها لغيرها في حين تحبذ العائلات العربية الاحتفاظ بالإدارة.
والشركات العائلية في أبسط صورها هي تلك الشركات التي تملكها عائلة واحدة، وتتولى العائلة نفسها في بعض الأحيان إدارتها أيضا، كما ينتشر هذا النوع من الشركات في العالم العربي والدول الغربية على حد سواء، فعلى سبيل المثال تأسست شركة دايملر- بنز للسيارات في ألمانيا عام 1926 عن طريق الاندماج بين عائلتي كارل بنز وجوتليب دايملر.
وقد كشفت إحدي الدراسات أن 800 ألف شركة سعودية هي بمثابة شركات عائلية، أي ما معدله 97 بالمائة من إجمالي الشركات العامة بهذا البلد؛ وقد اقتربت النسبة في باقي الدول العربية من هذا الرقم الذي قد يبدو كبيرا.
أما بلدان الإتحاد الأوربي فتتراوح نسبة هذه المقاولات ما بين 70 و 95 في المائة من إجمالي الشركات العاملة بها، وتساهم هذه الشركات بما نسبته 70 في المائة من الناتج الوطني.
وهناك فارق أساسي بين الشركات العائلية في الدول الغربية ونظيرتها في الدول العربية؛ ففي الدول العربية عامة ترتبط إدارة هذه الشركات بملاك رأس المال، ولذلك أري أن “أكثر من 90 في المائة من الشركات العربية ما تزال فردية وعائلية ولا تفصل بين ملكية رأس المال والإدارة إنما من يملك رأس المال هو من يدير وهذا لا يضمن فاعلية في الإدارة لأن من يملك رأس المال لا يستطيع أن يكون الأفضل في الإدارة”.
وسرعان ما بدأت هذه الشركات بالاندماج مع شركات أخرى أو امتلاك شركات أخرى فتكبر حجمها وبالتالي تبدأ في فصل رأس المال عن الإدارة، لأنه عندما يكبر حجم المؤسسة “يُفترض الفصل بين من يدير ومن يملك رأس المال”.
وهذا ما حدث في أوروبا كما في الفصل بين الإدارة ورأس المال؛ الأمر الذي فرض نفسه نتيجة لتوسع أنشطة هذه الشركات العائلية مما جعل ملاك رأس المال في حاجة للاختصاصيين، ولإداريين وأصحاب خبرة، وتلقائيا بدأت عملية الفصل بين رأس المال والإدارة.
وقد توجهت الشركات العربية في استثماراتها إلى المقاولات والإعمار، ورغم أنها ليست من القطاعات المنتجة.
ورغم أهميتها في هيكلة الاقتصاد العربي إلا أن الشركات العائلية العربية ما تزال في حاجة إلى التطور، كما أنها تعاني من مشاكل تتعلق ببنية هذا الاقتصاد، فأغلب الاقتصاديات العربية بدأت زراعية منذ سبعينات القرن الماضي باستثناء الدول النفطية التي انتعشت بسبب الطفرة النفطية وما صاحبها من ارتفاع مضطرد في أسعار المشتقات النفطية.
وأخير اري أن طبيعة هذه الشركات التي استثمرت في هذه المجالات هي في غالبيتها مؤسسات فردية أو شركات عائلية تعمل غالبا في قطاع المقاولات، كما أنه عندما ننظر إلى اقتصاديات الدول غير النفطية لا نرى توسعا في مجالات القطاعات المنتجة إنما نجدها تعتمد على الاقتصاد الزراعي.
لذا نحن بحاجة الي استشراف المستقبل بمنهجية الفكر الاستراتيجي؛ كي نواكب المتغيرات المتسارعة وننتهج نهج الحوكمة السليمة في الشركات العائلية؛ من أجل أن نصل إلي تميز مؤسسي حقيقي ومستدام.
د. أحمد الشعراوي
خبير التخطيط الاستراتيجي