مقالات

الدكتورة رشا الخشاب تكتب: ألغاز العالم الافتراضي اللاواقعي

في يوم 14 مايو، 2023 | بتوقيت 12:32 ص

ظهور وسائل الاتصال الحديثة أو ما تعرف “بالجديدة”، كان من المفترض أن يُكمل الحياة الواقعية التي نعيشها، ويعمل على سريانها بشكل أسرع وأفضل، كما هو المستهدف تحقيقه بموجب هذه الوسائل، لكن أن تحل هذه الوسائل محل حياتنا الواقعية في كل شيء، هو أمر له من الأهمية بمكان أن نلتفت لخطورته، ونسعى جاهدين للحد منها، أو القضاء عليها.

فالحياة الاجتماعية، والاتصال، والتفاعل، والعلاقات بين الأفراد، لا يضاهيها تواصل اجتماعي، وما يترتب عليها من عوامل نفسية أخرى، تعمل على إزالة أي توتر، وتقريب المسافات، وتصحيح بعض الأفعال غير المفهومة والمغلوطة -ربما-، ناهيك على ما يعود على الفرد من راحة نفسية، وتحقيق معدلات إنتاجية أعلى، ولِما للعلاقات الاجتماعية من تأثيرات فعالة ومتباينة تحدث فينا من خلال الاتصال، فقد درسنا في كلية الإعلام “نموذج الاتصال وأنواعه وأهميته”، وما يترتب عليه من فهم الرسالة، ووضوح الهدف ووصوله، وهذا يختلف عما يحدث في وقتنا الحالي في استخدام هذه الوسائل، فمهما حدث من خلال اتصال عبر الهاتف، أو الدردشات الاجتماعية، أو الرسائل النصية المكتوبة، تظل حلقة المعنى “المقصود” غائبة إلى حد ما لحين وضوحها بمترادفات أخرى، لذا فاعتمادنا على رسائل العالم الافتراضي وكأنها واقع، بات أمراً صعباً، وعواقبه وخيمة، فمن المؤسف أن هذا ما يُحْدِثُ فيما بعد التباعد والتفكك والاختلاف، فالغرض من هذه الوسائل الحديثة هي أن تكون بمثابة مُكملٍ ومُيسرٍ وموضحٍ للرسالة الاتصالية، لا أن تكون بديلاً يُساء فهمه، وغير واضح، وهذا ما حدث ويحدث بالفعل.

فعلى سبيل المثال، في الأعياد والمناسبات، أصبحت رسائل “الواتس آب” أو “الفيسبوك” هي الأساس في التواصل، وبديلاً عن الاتصال التليفوني أو الزيارات، وفي التهنئة بالأفراح، والمناسبات، وأعياد الميلاد، فقد أصبحت هي الأساس في التواصل والتعامل، كذلك في حالة تقديم برقيات العزاء، والمواساة، والشرح، والتوضيح، والخلافات الشخصية، وغيرها الكثير من المشاعر الإنسانية، ومؤخراً ظهور ما يسمى “طلاق الاستوري” أو “معارك الفيسبوك”، لتصبح المشاعر هنا افتراضية لا واقعية، وهذه من ضمن الأمور التي يجب أن نتوقفعندها كثيرا،ً فهناك أمور لها قدسيتها واحترامها، فكيف لأمور لها خصوصيتها كهذه، أن تُصبح علانية أمام الجميع، تُعالج وتُناقش بهذا الشكل؟!، ومهما كانت الطريقة أو الأسلوب نفسه، حتى ولو مجرد تصريح دون أية مشكلات، تظل الحيرة على ما هو مُنتظر فيما بعد أن يتم في مثل هذه العلاقات التي اتخذت من ساحة الافتراضية واقعية للجدل والنقاش.

وما نتطرق إليه في هذا العالم الافتراضي، هو القلق من عدم متابعتك بشكل دائمٍ لمثل هذه الأمور من واجبات العزاء، أو التهاني، أو الأماني، وما يترتب عليها من مشكلات أكبر من عدم التواصل أو التفاعل لمثل هذه الأمور، ويؤثر بالتالي على العلاقات الفعلية ما بين هؤلاء الأشخاص، نظراً لانشغالنا إلى حد ما في القيام بأعمال أخرى.

فكيف لنا أن نُدلل على العالم الافتراضي، ونجعله الأساس في العلاقات الحقيقية الواقعية؟، فالخوف كل الخوف فيما بعد على الأجيال القادمة التي سُتولد بالفعل وستعيش في هذا العالم الافتراضي، إذا استمر الأمر بهذا الشكل، ولعلنا نشهد فيما بعد أمُوراً أخرى كالتفكير في العالم الافتراضي، والإنجاز الافتراضي، والنوم الافتراضي، وغيره من الأمور، لذا أخيراً، فإنه من الضروري التأكيد على أن الحياة الواقعية هي ضرورة لا يجب طمسها، أو جتى الاستعاضة عنها بحياة بديلة افتراضية، فيجب أن نفصل تمامًا، ونُفرق بين العالم الواقعي والافتراضي، ونعمل على التأكيد على جوهرية الاتصال الواقعي وقدرته على إحداث التفاعل المطلوب بين الأفراد، وأنه لا غنى عن طبيعية العلاقات الاجتماعية الواقعية، مهما حصدنا من تطور وتقدم.