مقالات

د. نرمين توكل تكتب: ريادة الأعمال والحلقة الاجتماعية المفقودة

الجمعة 9 أغسطس، 2024 | 1:48 م

لا يمكن تناول ظاهرة اتجاه الشباب وصغار المستثمرين نحو ريادة الاعمال بمعزل عن استراتيجيات التنمية المجتمعية المستدامة التي جعلت من المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر أيقونة متنامية لتحسين الدخل القومي للمواطن وانغماسه في ثنايا المجتمع ونسيجه الثقافي؛ حيث تلعب عوامل اللغة والعادات والتقاليد دورًا بارزًا في تشكيل سياسات وأفكار الشباب ومبادراتهم التنموية اللازم اتساقها مع واقع المجتمع.

ولريادة الأعمال عديد المزايا على كافة الأصعدة؛ ولا يقتصر دورها المباشر في تحسين مهارات الشباب، وانخراطهم مع المؤسسات والشركات المحلية والدولية، بل تمتد آثارها كي تشمل أيضًا تنمية مفاهيم الفخر والتأييد الثقافي والاجتماعي للمواطن، ودرء مخاطر التهميش والعزلة الاجتماعية، تلك العزلة التي قد تتسبب في عديد الاضطرابات النفسية للمواطن الذي قد يعاني ويلات القهر الاجتماعي ومخاطر التهميش من قبل وحداته الاجتماعية.

ومع التطورات التكنولوجية المتلاحقة بمجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؛ صارت مبادرات ريادة الأعمال ممزوجة ببعض المتغيرات الاقتصادية كالتسويق الأخضر، والمسئولية الاجتماعية الخضراء، والاستدامة البيئية، والتمكين الاجتماعي، وغيرها من المتغيرات التي شكلت ملمحًا مهمًا لمنتجات ريادة الأعمال التي اتجهت نحو قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة، ومشروعات الحياكة، والأثاث الموفر للمساحة، وإعادة تدوير المخلفات باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

وقد لاقت هذه المبادرات وغيرها نصيبًا وفيرًا من الضوء الإعلامي للقنوات والبرامج الحكومية والخاصة، وكذلك الفعاليات والأحداث الخاصة؛ كالمؤتمرات والمعارض والمهرجانات التي باتت تخصص جزءًا من مراسمها وبرامجها لاستضافة المبادرات الريادية، وإبراز دورها في حل مشكلات البطالة، وندرة فرص العمل.

ولتوفير بيئة خصبة صالحة للارتقاء ببيئة ريادة الأعمال، فإن الامر يتطلب تضافر جهود أجهزة التنشئة الاجتماعية، علي نحو مواز من سياسات التخطيط الاستراتيجي لمنظمات المجتمع المدني، والهيئات الحكومية الداعمة لها، كوزارات الشباب، والتضامن الاجتماعي، والاستثمار، والصناعة والتجارة، علي نحو مواز من الكليات والمعاهد البحثية والأكاديمية المتخصصة في إدارة المشروعات، وتنمية الموارد البشرية، وتحسين مهارات الشباب، وإدارة المعرفة، والتمكين النفسي للعامل وغيرها.

ولا يمكن بالطبع إغفال جهود المؤسسات التدريبية الخاصة الموجهة نحو دعم وتعزيز مبادرات ريادة الأعمال، وكذلك قطاعات وإدارات المسئولية الاجتماعية للشركات CSR التي قفزت بشكل هائل في الآونة الأخيرة مع ظهور العديد من الفعاليات والمؤتمرات والملتقيات المتخصصة في هذا المجال علي المستويين المحلي والدولي، سواء من قبل الشركات الإنتاجية، والبنوك أو من قبل المؤسسات الخدمية، والوزارات، ومنظمات المجتمع المدني.

ستظل أفكار ومبادرات ريادة الاعمال نافذة تنموية متجددة؛ تربط راس المال الابتكاري للمواطن بآليات التنفيذ الواقعية، في إطار ملامح التخطيط الاستراتيجي للجانب الحكومي من جانب، والتمكين الإداري للشركات الناشئة من جانب آخر، ولا يمكن ضمان هذه الاستدامة الاستراتيجية إلا بتبني الوحدات الاجتماعية لأفكار الشباب، وقصص نجاحهم، وبرامجهم المجتمعية ذات الطابع الخيري والإنساني، ما يتطلب من الجهات المهنية الاضطلاع بجهود رصد وتوصيف برامج المؤسسات الناشئة، والتنبؤ بإشارات الإنذار المبكر لهذه الملامح، كي تكون نواة لسياسات تنفيذية، وبرامج واقعية قابلة للتطبيق.