مقالات

د. محمود فوزي يكتب: رأس المال الاجتماعي.. كما نعرفه؟!

الخميس 14 مارس، 2024 | 8:43 م

تعد التنمية المجتمعية المستدامة التي تسعي إليها الدول بدعم هيئاتها وجماعات مصالحها بمثابة المظلة الأكبر والهدف الأشمل لمحددات رأس المال الاجتماعي؛ بكلا شقيه الداخلي والخارجي؛ وبمختلف أصعدته المحلية والقومية والدولية؛ باعتباره الرصيد الفكري الكامل الذي تمتلكه المؤسسة، وينعكس في المشاركات المجتمعية، وشراكات العمل، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية؛ وترسيخ علاقات المنظمة ذات الأبعاد السياسية والإستراتيجية بالنظم والهيئات المحلية والدولية، وغيرها من الجهود والمبادرات الساعية نحو الارتقاء برفاهية المجتمع، وتعزيز نموه الاقتصادي.

ولا يقتصر الاهتمام برأس المال الاجتماعى فى تحقيق التنمية من المنظور المادى أو الكمى فقط، ولكن من المنظور الكيفى أيضًا، من خلال قدرته وكفاءته على تطويع وتسهيل طرق الإنتاج المنظور وغير المنظور، مما يعظم من القيم المضافة لذلك الإنتاج على المستوي القومى والدولى؛ وذك عبر ثلاث ركائز رئيسية، هي: (البنية الأساسية المادية، البنية الأساسية البشرية، مؤسسات المجتمع المدني).

ومن ثم صار رأس المال الاجتماعي رصيدًا تأمينيًا وقائيًا أثناء الأزمات الاتصالية وكذلك المادية التي قد تواجه الاستثمار والاقتصاد العالمي، وهو الرصيد المالي والإنساني المتمثل في ارتفاع قيمة الأسهم المالية للشركة المسئولة اجتماعيًا، ورغبة العملاء وجماعات المصالح الداخلية والخارجية في استمرارية دعم الشركة والثقة فيها، ومن ثم نمو مبيعات الشركة وزيادة إنتاجية موظفيها الحريصين بدورهم علي مكافئة المنظمة علي دعمها لهم، وعدم التخلي عنهم وقت الأزمة.

فالمنظمة ككيان مؤسسي؛ قد تكون شركة أو اتحادًا أو جمعية أو غيرها، لكنها على أي حال تعد بمثابة جهاز تنشئة اجتماعية؛ له أطر إدارية وضوابط قيمية تتأثر بالنسق الثقافي المحيط بالمنظمة ويهيمن –نسبيًا- علي أفكار أفرادها؛ ويتعلم فيها العضو قيمًا أخلاقية واجتماعية؛ تصقل ما اكتسبه بأجهزة التنشئة الاجتماعية الرسمية كالبيت، والمدرسة، والمسجد / الكنيسة، والنادي، والجامعة.

ولا يمكن لرأس المال الاجتماعي الاضطلاع بدوره في خضم التنمية المستدامة بمعزل عن محددات رأس المال الهيكلي؛ باعتبارها مدخلات البناء التنظيمي التي تضبط مناخ العمل بالشركات والمؤسسات؛ بما يتضمنه من لوائح وتشريعات ونظم إدارية ترسم أنماط العلاقات الاتصالية والتفاعلية للمنظمة مع جماهيرها الداخلية والخارجية؛ وذلك شريطة التزام المنظمة بمؤشرات الثقة، والوفاء بمسئولياتها، وغرس مفاهيم التعاون والتنسيق والعمل الجماعي بين العاملين.

هذه المؤشرات تمثل الضمانة الرئيسية لجودة مخرجات المنظمة الناتجة من معالجة عملياتها التفاعلية مع الجمهور، لذا تبدو العلاقة ارتباطية بين كل من (كفاءة مدخلات المنظمة، سلامة واستقرار بيئة العلاقات التفاعلية، هيمنة مؤشرات الثقة والالتزام علي هذه العمليات) من جانب وبين كفاءة المخرجات التي تمثل نقاط قوة ومزايا تنافسية من جانب آخر.

وتوثر هذه المتغيرات –بالطبع- علي مستوي كفاءة الأهداف الاتصالية والتسويقية للمنظمة؛ بل وتؤثر علي مدي إمكانية بلوغ هذه الأهداف من الأساس، وذلك لسببين؛ أولهما: أنها كما ذكرنا أهداف إستراتيجية؛ يتطلب تحقيقها ضمان التكامل والاتساق بين ما سبقها من عمليات، والثاني: أن المنظمة ككيان مؤسسي تحوي موارد(بشرية، اتصالية،إدارية، اجتماعية) تمثل جزءًا لا يتجزأ عن الثقافة التنظيمية الأكبر بالبناء والسياق الاجتماعي المحيط.