د. محمود فوزي يكتب: الدونية الاجتماعية بين الاستبعاد والاستعباد
تمثل مخاطر الإفراط في استخدام الهواتف الذكية قضيةً ملحةً؛ لما تسببه من تهديد نفسي واجتماعي على المتصفح، وأسرته، ومحيطه الاجتماعي؛ لما يتصل بهذه الظاهرة من أعراض ومتغيرات وسيطة؛ تعد نتاجًا طبيعيًا للعزلة والإقصاء الاجتماعي الذي يصاحبه عديد الأمراض النفسية؛ كالاكتئاب، والقلق، والخوف الشديد، واضطراب المزاج، والوسواس القهري، واضطرابات السيطرة على الانفعالات، وفرط النشاط، ونقص الانتباه.
ويعد الشعور بالدونية الاجتماعية والحرمان النسبي من أبرز المظاهر السلبية المصاحبة لإدمان الهواتف الذكية؛ ما يمكن تفسيره في ضوء نظرية المقارنة الاجتماعية، وما يشعر به الرد من قلق واضطراب نفسي؛ قد يصل لمستوى الاكتئاب الناجم من تدني مستوى جودة الحياة المتصورة لديه، وعجزه عن تلبية وإشباع احتياجاته من التفاعل والارتباط الاجتماعي.
ويشير الحرمان النسبي إلى مشاعر عدم الرضا الناجمة من اعتقاد الشخص أنه لا يقتني ما ينبغي أن يستحقه -مقارنة بالآخرين- ويمكن للصور الرمزية إثارة وتحفيز إدراك الفرد لحرمانه النسبي، فعلى سبيل المثال، يمكن لصور المنتجات الفاخرة أن تعزز مشاعر بالحرمان النسبي من تلك الخاصة بغير الفاخرة؛ نظرًا لاقترانها بمستويات أعلى من الحداثة والتطور والمكانة الاجتماعية، وغيرها من المعاني والدلالات التي تعبر عن القيمة الرمزية للمنتج وعلامتها التجارية.
ويحاول الاشخاص الواقعين في فخ حرمانهم النسبي الانجراف في تيار الشراهة الشرائية الاندفاعية غير المخططة؛ حيث يشعرون بالدونية؛ من واقع تقييمهم الذاتي المنخفض لأنفسهم؛ ما يثير لديههم الرغبة الملحّة في التصرف والقيام بالأنشطة التي تمثل عندهم إما مكافآت وحوافز خارجية تجنبهم مخاطر العقاب الاجتماعي، أو دوافع أخرى جوهرية؛ تحقق لديهم الشعور بالرضا والمتعة التامة.
وعقب تدارك المستهلك حالة الانغماس في تيار الشراء الاندفاعي التي قادته إلي الشعور بالذنب والخجل بعد الشراء، فإنه يبدأ في محاولات التكيف النفسي مع هذه الحالة، وتزداد محاولات التكيف في حالة شراء المنتجات الممتعة؛ مقارنةً بالمنتجات النفعية ذات الفوائد المادية المباشرة؛ حيث يجد المستهلك صعوبةً في تبرير شراء منتجات الرفاهية، وتخفيف حالة الشعور بالألم والذنب؛ خاصةً إذا كانت ثقافته القومية والدينية تحث علي التوفير، وتُعارض مظاهر الإسراف والتبذير.