مقالات

د.هويدا عزت تكتب: تربية الآن وزمان

الأحد 17 يوليو، 2022 | 8:17 م

كنت في أحد المولات أثناء إجازة العيد؛ للقيام بالتسوق وكان شديد الازدحام، فوقفت لبعض الوقت للإستراحة على أحد المقاعد الموجودة داخل المول، وإذ بمجموعة من الأطفال يلعبون ويجرون بجانبي، وعندما تحدثت إليهم بأن يلعبوا في مكان آخر بعيدًا عني، لأني أشعر بالتعب، فإذا برجل يُرافقهم أعتقد أنه والدهم يوجه كلامه للسيدات التي تجلس معه على المقاعد بصوت عالي ويقول “وأيه يعني ميلعبوا هو إحنا مش في عيد وده مول وبراحتهم يعملوا اللي عاوزينه” ويوجه كلامه لأولاده “العبوا يا عيال”.

وعند سماعي لكلامه هذا، تركت المول وتوجهت إلى البيت، ولم أخرج منه حتى إنتهاء العيد، وتذكرت ما كانت أمي تربينا عليه أنا وأخوتي عندما كنا صغار حرصًا منها على عدم إزعاج الآخرين حتى ولو بالقيام ببعض الأشياء البسيطة، على سبيل المثال: “مترزعوش الباب واطلعوا بهدوء على السلم.. أحنا بئينا العشا والناس نايمين.. ووطي صوت التليفزيون شوية.. مترميش زبالة على الأرض. خلي بالك من إخواتك وبلاش تأخير برا”، وغيره من العبارات التي كانت توجهها لنا أمي احترامًا للآخرين ومراعاة لمشاعرهم، هكذا كانت الأمهات تربي أبنائها زمان، أما الآن فنتسأل، لماذا وصل حال أبنائنا لهذه السلوكيات؟.

والإجابة على هذا السؤال تكمن في أن نُعيد النظر في أنفسنا أولاً كأباء وأمهات، وأن نراجع سلوكياتنا وأساليبنا، فإن ما نراه من تصرفات وسلوكيات أبنائنا يُمثل ثمرة تربيتنا، ذلك الزرع الذي تم غرسه منذ الصغر، فلا صلاح للأبناء بدون صلاح الوالدين فهم جزء لا يتجزأ منهم.

فعلينا أن نراجع أنفسنا كوالدين، وأن نجتهد أكثر في التعديل من سلوكنا، إذا كان هدفنا سعادة الأبناء وتوجيههم لكي يصبحوا أفرادًا صالحين.

وقد أظهرت العديد من التجارب أن سلوك الآباء والأمهات نحو أبنائهم غالبًا ما ينتقل أثرها مباشرة إلى أطفالهم، وإن أساليب التربية الخاطئة التي يتبعها الأب والأم في تربية الأطفال يكون لها العديد من الأثار السلبية على سلامة الأطفال وسلوكياتهم مما يؤثر في شخصيتهم، والعكس فإن السلوكيات الإيجابية التي يغرسها الوالدين في الطفل يعتبر عامل قوى في التنشئة الاجتماعية له، حيث يكتسب قيمه ومعاييره واتجاهاته التي تحدد سلوكه اجتماعيًا، أي أنها تتحكم في عملية التوافق الاجتماعي وبناء حياة اجتماعية سوية له.

فمرحلة الطفولة تعتبر مرحلة أساسية وهامة في حياة الإنسان تتحدد فيها الملامح الأساسية للشخصية ويكتسب فيها القيم والاتجاهات الأساسية، كما يتعلم العادات والأنماط والسلوك، فهذه المرحلة في حياة الطفل مثل “الإسفنجة” يمتص سلوكياته من تفاعله مع البيئة المحيطة به حيث يتعلم ما يشاهده ويجربه وأن هذا التعلم ليس مرئيًا، ولكننا نستطيع أن نستخلصه عن طريق التغيرات التي تطرأ على سلوك الطفل، والآن الوالدين أول ما يشاهدهم الطفل، فهم يؤثرون بشكل كبير على سلوك أطفالهم.

لذا، انتبهوا أيها السادة الآباء والأمهات وعلموا أولادكم السلوكيات الصحيحة وقيم وتقاليد المجتمع، يقول الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) في قول الله عز وجل: “يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا”، قال: “ادبوهم وعلموهم”.

الدكتورة/ هويدا عزت
باحثة وكاتبة في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة