مقالات

د.هويدا عزت تكتب: “انتحار موظف” هل تدفع المنظمات لإعادة التفكير في بيئة العمل؟

الجمعة 31 ديسمبر، 2021 | 8:32 م

خلال الأيام الماضية اطلعتنا الصحف عن حادثة انتحار موظف بسبب خلاف وقع بينه وبين مديره المباشر، قام على إثره بالتوجه ناحية النافذة الموجودة بأحد المكاتب، وألقى بنفسه من الطابق الثالث ليسقط جثة هامدة، قبل أن تستطيع الأجهزة الطبية إنقاذه.

فيما أكدت التحريات أن الموظف المُنتحر، كان يمر بحالة نفسية سئية، بسبب مُعاملة مديره السيئة، وتوبيخه المُستمر له، وخصم عدة أيام من راتبه، وهدده بالفصل من العمل أكثر من مرة.

وقد آخذت الإساءة في مكان العمل في الازدياد في العديد من أماكن العمل والمهن، وتتعدد أشكال سوء المعاملة التي يتعرض لها العاملين، فهي ليست الصراخ على الموظفين، أو زيادة ساعات العمل الأضافية، بل تعرّفه الباحثة كاثرين دوبري من جامعة كارلتون والمشاركة في دراسة نشرت في “جمعية علم النفس الأمريكية” بأنه أي تصرف غير مهذب يخترق قواعد الاحترام العامة.

مثال ذلك، تجاهل أحد أفراد الفريق، إبداء ملاحظات سلبية ومهينة له على الدوام، توجيه اللوم الدائم للشخص في حال اقتراف بعض الأخطاء، تجنب الشخص وعدم إشراكه في نقاشات فريق العمل اللازمة، أما أكثر الأمثلة ضررًا فهو أخذ عمل ومجهود أحد الأشخاص وإسناده لشخص أخر.

ويقدر الخبراء أن ما يصل إلى 90% من الموظفين، يعملوا لدى رئيس سيء مرة واحدة على الأقل خلال حياتهم الوظيفية، وتوصف المُنظمة التي تجعل العاملين فيها يفعلوا ما تريده الإدارة، من خلال الخوف والترهيب والإكراه، بأنها منظمة سيئة، وأن مكان العمل “غير الصحي”؛ نتج عن عدم قدرة بعض المديرين على التحكم في سلوكهم التعسفي في بيئة عمل مُعادية لمرءوسيهم.

وفي السنوات الأخيرة، فطُن العالم إلى أهمية العنصر البشري، والذي أصبح يمثل رأس مال المنظمة، وأن العاملين الأكفاء هم ثروة المنظمة الحقيقة ومصدر تفوقها وتميزها، وأصبح الاستثمار في العنصر البشري يحظى بأهمية كبيرة، من خلال إيجاد بيئة عمل فعالة يكون فيها العاملين جزء من ثقافة النمو والتحسين في المنظمة.

وهذا الأمر دفع العديد من الحكومات والمنظمات الدولية والباحثين الأكاديميين للبحث عن نظام جديدة للإدارة وتطبيق أفضل النظم والوسائل العلمية الحديثة في الحفاظ على العاملين، حيث ظهر مفهوم جودة حياة العمل، والمنظمات السعيدة أو الأثيرة.

وتوصلت الدراسات الحديثة في مجال السلوك التنظيمي أن العاملين السُعداء لديهم فرص كبيرة لتحقيق التقدم في المنظمة التي يعملون فيها أكثر ممن لا يجد السعادة في عمله، بالإضافة إلى تقديم العديد من السلوكيات الإيجابية المرتبطة بالمنظمة، والتي تعزز مستوى أداء العمل.

بينما سوء معاملة العاملين تضر بالمنظمة والعاملين فيها، ويتمثل ذلك في مستويات أقل من الجهد والأداء الوظيفي مقابل مستوى أعلى من الإجهاد، وضعف الإنتباه، والتأثير سلبًا على معالجة الأمور واتخاذ القرارات.

وتوجد العديد من القوانين التي تحمي الحقوق المادية للعاملين، ومع ذلك فإن هذه القوانين لا تُعالج الإساءة العاطفية في العمل، فالمنظمة التي تُخضع الموظفين لظروف عمل عاطفية قمعية هي منظمة مسيئة، يتعرض الموظفون فيها لسلوكيات وأفعال من قبل المشرفين تؤثر سلبًا على قُدرتهم على العمل بفعالية.

ولعل حادثة انتحار الموظف تدق جرس الإنذار؛ لنفكر بشكل جدي في معايير اختيار القيادات، فالقيادة هي كلمة السر التي لابد أن يتم التركيز عليها، وأن توافر السلوكيات القيادية عند اختيار الأفراد، تحقق حلم المنظمات في البقاء، فالبقاء لم يعد للأقوى أو الأذكى، ولكن لمن لديه قدرة على الإدارة، فالقيادة الناجحة لم تكن شعارات يرددها البعض عند التقدم لمناصب، وإنما هي مسئولية ليس فقط عن المنظمة، وإنما عن البشر الذين يتأثروا ويؤثروا في غيرهم.

الدكتورة هويدا عزت، باحثة وكاتبة في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة.