بينما يعزز التفاعل الإلكتروني مظاهر رأس المال الاجتماعي للفرد الذي يشكل شبكة عملاقة من العلاقات الاجتماعية علي الصعيدين الشخصي والعملي، فإنه يولد لديه العديد من الآثار السلبية، والمخاطر الاجتماعية والنفسية؛ كتشتيت الانتباه، وضعف التركيز، وتبديل الاهتمامات، والإدمان الإلكتروني، والخوف من فوات الفرصة(FoMO) تلك الظاهرة التي تنطوي علي عنصرين أساسيين؛ هما: (التخوف من اقتناء الآخرين فرصًا أكثر شغفًا ومتعة، الرغبة المستمرة الملحة في التواصل الدائم مع الآخرين داخل الشبكة الاجتماعية).
ويعد “الفومو” ظاهرةً مرتبطةً بإدمان الفرد للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث تسبب توترًا وقلقًا شديدين له؛ حيث يصاب بحالة عاطفية سلبية؛ تنجم من تدني مستوي جودة الحياة المتصورة لديه، فيشعر بالعجز عن تلبية وإشباع احتياجاته من التفاعل والارتباط الاجتماعي، كما يعد “الفومو” أيضًا نتاجًا طبيعيًا للعزلة والإقصاء الاجتماعي الذي يصاحبه عدد من الأمراض النفسية؛ كالاكتئاب، والقلق، والخوف الشديد، واضطراب المزاج، والوسواس القهري.
ففي الوقت الذي تقوم فيه منصات الإعلام الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي بإشباع العديد من الاحتياجات النفسية والاجتماعية للفرد؛ فإنها أيضًا قد تصيب مدمني هذه الوسائط بالضعف الجسدي والعاطفي والاجتماعي والوظيفي، وقد يصل الأمر إلي الإصابة بالقلق من التهميش والإقصاء الاجتماعي، والاستبعاد من التواصل مع هذا العالم السيبراني؛ وهي كلها أعراض موازية لظاهرة الخوف من فوات الفرصة FoMO.
ومن زاوية أخري قد يكون “الفومو” إكراهًا أو جبرًا خارجيًا فعالًا؛ يدفع الفرد إلي مواجهة قلقه وتردده ويتغلب علي عوائقه السلوكية؛ حيث يتولد لديه نية سلوكية؛ تثير لديه الرغبة الملحة في التصرف والقيام بالأنشطة التي تمثل عنده إما مكافآت وحوافز خارجية تجنبه مخاطر العقاب الاجتماعي، أو دوافع أخري جوهرية تحقق لديه الشعور بالرضا والمتعة التامة.
وانطلاقًا من اهتمام بحوث علوم التسويق العصبي بكيفية عمل الدماغ البشرية، وتفاعلها مع المحفزات التسويقية، وما تمارسه من تأثير علي الاتجاهات السلوكية للمستهلك؛ فإن الدراسة التسويقية المقبلة ستحاول تحليل وتفسير ثمة تأثير الذي يمكن أن يمارسه “فومو” علي هذه السلوكيات الشرائية عبر الإنترنت.
هذه السلوكيات التي تأثرت بالطبع بالتكنولوجيا الرقمية سريعة التطور، والتي أضفت علي معاملات التجارة الإلكترونية العديد من المتغيرات والمستجدات المؤثرة في ثقافة العملاء، وأنماطهم الاستهلاكية التي ستعاني تأثيرًا مزدوجًا؛ الأول من مستوي المجازفة التي تشوب عمليات التسوق عبر المجتمعات الافتراضية، والثاني هو التأثير الخاص بـ”فومو” علي المستهلكين الذين يتسمون بشراهة التسوق عبر الإنترنت، وبالاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي.