مقالات

الدكتور محمود فوزي يكتب: بين مثاليات الإعلام وسلوكياته

الجمعة 28 يوليو، 2023 | 1:19 ص

يواجه المجتمع على كافة أصعدته إشكالية اجتماعية وأخلاقية كبرى؛ متمثلة في التناقض الشديد بين مثاليات التأصيل العلمي الممنهج وبين السلوكيات الواقعية لأرباب العلوم المختلفة، نظرًا لاصطدام أفكارهم وتصرفاتهم بمجموعة من الأمراض والظواهر الاجتماعية السلبية؛ كالأمية، والبطالة، والفساد الإداري، وانتشار معدلات الجريمة والعنف، وتغليب المنفعة الشخصية على الصالح العام…. وغيرها.

ويعد الإعلام أحد أبرز المجالات التي تتجسد فيها مظاهر هذا التناقض، ففي الوقت الذي ينادي فيه خبراء وأساتذة الإعلام بتفعيل ضوابط وتشريعات العمل الإعلامي والالتزام بمواثيق الشرف الإعلان ؛ نجد لجوء عدد كبير من الإعلاميين نحو إثارة الفتن والشائعات في برامجهم، وعرض مشاهد تراشق لفظي بين ضيوفهم، أو اقتحامهم لخصوصية زملائهم؛ بالخوض في أمور حياتهم الشخصية، وهو ما يبرره صناع الإعلام بحجة رفع معدلات المشاهدة لبرامجهم، وجلب المزيد من الإعلانات، بغض النظر عن المضمون المقدم، ومدي اتساقه مع قيم وأعراف المجتمع؛ ما يمثل تجسيدًا واضحًا لمبدأ “التحرر من القيم” لعالم الاجتماع ماكس فيبر”.

وفي مجال إعلامي آخر وهو صناعة الإعلان، نجد اتجاه أغلب المعلنين ومسوقي المنتجات نحو ظاهرة “تسليع المرأة” من خلال توظيف جسدها وإيحاءاتها الجنسية سواء باللفظ أو الإشارة في الترويج لمنتجاتهم، وهو الأمر الذي تجاوز الإعلانات التليفزيونية والمطبوعة ليشمل المعارض والأسواق التجارية التي يوظف فيها العارضون المرأة كوسيلة لجذب الجمهور بغض النظر عن مقوماتها العلمية والعملية، في امتهان صريح لإنسانياتها، واختراق صارخ لكافة مواثيق حقوق الإنسان وحماية المستهلك.

الأمثلة كثيرة، وممتدة على كافة المجالات العملية بالمجتمع، ولكن يبدو السؤال الأهم الآن، هل تحولت نظريات المسئولية الاجتماعية والأخلاقية للإعلام إلى مثاليات غير قابلة للتطبيق سوى في مجتمع “اليوتوبيا” ؟، ومن ثم الحاجة الملحة إلى إعادة صياغة هذه النظريات بما يتسق مع واقع التطبيق العملي للمهنة، أم أن المشكلة كأمنة في نفوسنا كمصريين؟، نظرًا لكوننا عاجزين عن تقديم اتجاه معارض لهذا الخط الفكري على نحو يواكب الاتجاه العام في المجتمع؛ دون أن يتعارض مع مثاليات العلم.

ستظل الإشكالية قائمة لأنها نتاج تراكم هائل من الانحدار الأخلاقي للقيم مصحوبة بظروف اقتصادية طاحنة لاتفرق بين عالم وجاهل، ومن ثم يضطر ذو العلم لتقديم تنازلات على حساب ضمائرهم وقيمهم، فضلًا عن الصراع الإنساني الأبدي بين الخير والشر، بين الحق والظلم.. يقول تعالي “وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا” صدق الله العظيم… سورة الجن آية “11”.