الدكتور محمود فوزي يكتب: رأس المال التنظيمي والقيمة الإستراتيجية المدركة
تمثل التنمية المجتمعية المستدامة المظلة الأكبر والهدف الأشمل لمحددات رأس المال الاجتماعى؛ بكلا شقيه الداخلي والخارجي؛ وبمختلف أصعدته المحلية والقومية والدولية؛ بإعتباره الرصيد الفكري الكامل الذي تمتلكه المؤسسة، وينعكس في المشاركات المجتمعية، وشراكات العمل، والانفتاح الواسع علي الأسواق العالمية؛ وترسيخ علاقات المنظمة ذات الأبعاد السياسية والإستراتيجية بالنظم والهيئات المحلية والدولية، وغيرها من الجهود والمبادرات الساعية نحو الإرتقاء برفاهية المجتمع، وتعزيز نموه الاقتصادي.
ولا يقتصر الإهتمام برأس المال الاجتماعى فى تحقيق التنمية من المنظور المادى أو الكمى فقط، بل من المنظور الكيفى أيضًا، من خلال قدرته على تطويع وتسهيل آليات الإنتاج المنظور وغير المنظور، ما يعظم من القيم المضافة لذلك الإنتاج على المستويين القومى والدولى؛ وذك عبر ثلاث ركائز رئيسية هي: (البنية الأساسية المادية، البنية الأساسية البشرية، مؤسسات المجتمع المدني).
ومن ثم صار رأس المال الاجتماعى رصيدًا تأمينيًا وقائيًا؛ لاسيما أثناء الأزمات الكبرى التي قد تواجه الإستثمار والإقتصاد العالمي، وهو الرصيد المالي والإنساني المتمثل في إرتفاع قيمة الأسهم المالية للشركة المسئولة اجتماعيًا، ورغبة العملاء وجماعات المصالح الداخلية والخارجية في استمرارية دعم الشركة والثقة فيها، ومن ثم نمو مبيعات الشركة وزيادة إنتاجية موظفيها الحريصين بدورهم علي مكافئة المنظمة علي دعمها لهم، وعدم التخلي عنهم وقت الأزمة
على الجانب الآخر تعد محددات رأس المال الهيكلي بمثابة مدخلات البناء التنظيمي التي تضبط مناخ العمل بالمنظمات؛ بما يتضمنه من لوائح وتشريعات ونظم إدارية ترسم أنماط العلاقات الاتصالية والتفاعلية مع الجماهير الداخلية والخارجية؛ ذلك شريطة الإلتزام بمؤشرات الثقة، والوفاء بمسئولياتها، وغرس مفاهيم التعاون والتنسيق والعمل الجماعي بين العاملين.
هذه المؤشرات تمثل الضمانة الرئيسية لجودة مخرجات المنظمة الناتجة من معالجة عملياتها التفاعلية مع الجمهور، لذا تبدو العلاقة ارتباطية بين كل من: (كفاءة مدخلات المنظمة، سلامة واستقرار بيئة العلاقات التفاعلية، هيمنة مؤشرات الثقة والإلتزام علي هذه العمليات) من جانب، وبين كفاءة المخرجات التي تمثل نقاط قوة ومزايا تنافسية من جانب آخر.
كما تؤثر هذه المتغيرات -بالطبع- علي مستوى كفاءة الأهداف الاتصالية والتسويقية للمنظمة؛ بل وتؤثر علي مدى إمكانية بلوغ هذه الأهداف من الأساس، ذلك لسببين؛ أولهما: أنها كما ذكرنا أهداف إستراتيجية؛ يتطلب تحقيقها ضمان التكامل والاتساق بين ما سبقها من عمليات، والثاني: أن المنظمة ككيان مؤسسي تحوي موارد (بشرية، اتصالية، إدارية، اجتماعية) تمثل جزءًا لا يتجزأ عن الثقافة التنظيمية الأكبر بالبناء والسياق الاجتماعى المحيط.
وتأتي بالنهاية أهداف الشركة/ المؤسسة التي تتسم بكونها غايات إستراتيجية؛ كنتاج لتراكم رأس المال الفكري -ليس للمنظمة فقط- بل لبيئاتها الخارجية أيضًا التي تعمل فيها؛ حيث تعد هذه البيئة بمثابة بناء اجتماعي كامل؛ تحكمه عديد المتغيرات السياسية، والإقتصادية، والإجتماعية، والتكنولوجية شديدة الاتساق مع القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية لمهنة العلاقات العامة؛ كقيم العدالة التنظيمية، والإخلاص الوظيفي، وتغليب المصلحة للعامة للمنظمة والمجتمع والبيئة الخارجية علي المنافع الذاتية لكل عامل، وكذا إعلاء قيمة الولاء ورد الجميل للوطن الذي تعد المنظمة جزءًا لا يتجزأ من ثقافته التنظيمية.