د. هويدا عزت تكتب: الأزمة الإقتصادية العالمية تهدد الأمان الوظيفي للعاملين
خلقت الأزمة الإقتصادية العالمية حالة من التوتر والقلق لدى الكثير من العاملين في العالم، بشأن الخوف من تأثير هذه الأزمة على أمنهم الوظيفي، وفقدان وظائفهم، وتطوير حياتهم المهنية، حيث يعكس الإدراك المنخفض للأمن الوظيفي مخاوف بشأن إستمرار العمل في المستقبل أو التهديد بفقدان الوظيفة الحالية، مما قد يؤدي إلى ردود فعل مختلفة حول عمل الموظف وحياته وصحته.
ووفقًا لنظرية تدرج الحاجات المعروفة باسم “هرم ماسلو”، تأتي الحاجة إلى الشعور بالأمان مباشرة، بعد الحاجات الفسيولوجية (الطعام والسكن)، لأن الشعور بالأمان يتعلق بالراحة النفسية للعاملين، وعدم تحقيقه سيؤدي بالفرد إلى انشغاله فكريا ونفسيا مما يؤثر على أدائه في العمل.
كما أن تحسين مستوى شعور العاملين بالأمان الوظيفي ليس فقط موضوعًا نظريًا تمت مناقشته ودراسته من قبل الدوائر الأكاديمية، ولكنه أيضا مشكلة عملية يواجهها مديرو الأعمال، فقد وجدت عددًا كبيرًا من الدراسات التجريبية أن شعور العاملين بالأمان الوظيفي له تأثير إيجابي على العمل الفردي، والذي يرتبط ارتباطًا إيجابيًا بأداء العاملين الوظيفي، ويُمكنهم ذلك من التركيز على القيام بعملهم بشكل أفضل، ويحقق كلا من سلوك المواطنة التنظيمية والرضا الوظيفي.
اقرأ أيضا.. د. هويدا عزت تكتب: اليوم العالمي للإذاعة.. الراديو بين الحاضر والمُستقبل
ويعد الأمن الوظيفي جانبا مهما للعاملين، حيث يؤدي انخفاضه إلى قوة عاملة قلقة ومتعبة، يمكن أن تضر هذه المشاعر بمستوى مشاركة الموظفين، والتي يمكن أن تؤدي في حد ذاتها إلى انخفاض الإنتاجية والربحية.
ويمكن للمستويات العالية من الأمن الوظيفي أن تخلق فوائد كبيرة للشركات والعاملين، ومع ذلك، فقد أصبحت المستويات المنخفضة للأمن الوظيفي ظاهرة اجتماعية كبيرة، ناجمة عن التغيرات الإقتصادية المستمرة، مثل زيادة الأسعار، والإبتكارات التكنولوجية.
وفي هذا الإطار، قامت شركة “Towers Watson”، الاستشارية في مجال رأس المال البشري بالولايات المتحدة الأمريكية، بإجراء مسح على 32000 موظف من جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى 1637 من مديري الموارد البشرية، ووجدت أن الأمن الوظيفي يصنف على أنه ثاني أهم عامل للموظفين بعد الأجور.
كما يلعب الأمن الوظيفي دورًا رئيسيًا في كيفية شعور العاملين بالتواصل مع منظماتهم، الأمر الذي يفتح المجال لإبداعهم وابتكاراتهم، ويحسن جودة حياة العمل، ويزيد الإنتاجية، كما يعزز الأمن الوظيفي الراسخ أيضًا من سمعة المنظمة وصورتها الذهنية، حيث يفضل العديد من العملاء العمل مع المنظمات التي تجيد التعامل مع موظفيها بشكل جيد.
اقرأ أيضا.. هويدا عزت تكتب: هل حان الوقت لوضع منهج علمي للإدارة؟
إلا أن المعالجة السلبية للأمان الوظيفي من خلال رصد أداء العاملين والتقييم السلبي لهم يمكن أن يضر بثقة العاملين بأنفسهم، حيث يعتقد العاملون بشكل سلبي أنهم غير مناسبين لعملهم، مثل هذا الشك سيجعل العاملين يميلون إلى تجنب التدخل في أي عمل بخلاف عملهم المكلفين به، وبالتالي يقلل من حماس ومسئولية العاملين لحل المشكلات بشكل استباقي.
ويقدر أصحاب العمل ذلك ويعرفون أن بإمكان العاملين تقديم أداء أفضل لعملهم عندما لا تغمر أذهانهم مخاوف بشأن وضعهم الوظيفي في المستقبل، ومع ذلك، فهم يواجهون الحفاظ على التوازن، حيث يمكن للموظفين الذين يشعرون بالأمان الشديد في وظائفهم أن ينتهي بهم الأمر إلى الشعور بالرضا، مما يؤدي عادة إلى التضحية بالجودة.
لهذا على الإدارة أن تدرك أهمية حاجة الأمن الوظيفي للعامل؛ لخلق روح من الإبداع بين العاملين، وأن تطوير سياسة أمن وظيفي واضحة ترقى إلى مستوى توقعات العاملين إذا أرادوا ليس فقط تحسين الإنتاجية بل تحقيق جودة إنتاجية عالية.
كما يجب أن يكون لدى الإدارة الطموح لخلق أماكن عمل صحية تعزز مشاعر الإنتماء والشعور بالارتياح، والإستقرار، والأمان لدى العاملين، والإقبال على التقدم الوظيفي، وهذا يعني الإستماع إلى آرائهم ومقترحاتهم وإحترام قيمهم، وتحقيق العدالة والإنصاف، والعمل الجماعي، والتعلم المستمر، كما يحتاج الموظفون إدراكا وفهما كيف تتناسب وظائفهم ومهاراتهم مع الاإجاه الإستراتيجي العام للشركة.
وفي النهاية فإن الشركات التي تدعم موظفيها ستكون هي الفائزة في أسواق الغد، وسيمنحها القدرة على التعامل مع التغيرات والتطورات الإقتصادية.
الدكتورة/ هويدا عزت
كاتبة وباحثة في العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة