الإدارة الناجحة والفعالة تبنى كيانات وبدونها تُهدم، ذلك العلم العظيم هو سرالحياة فلا تستطيع أحدث التقنيات والحواسيب أن تنافس البشر في القدرة عليه، فقط الإنسان هو المسئول الأول والأخير عن ذلك العلم.
وينظر إلى الإدارة كأحد العلوم الإنسانية، التي تهتم بالطريقة المُثلى للقيام بالأعمال وفق منهج مُحدد، حيث تعتبر من أهم الأنشطة الإنسانية في أي مجتمع، وذلك لما للإدارة من تأثير علي حياة المجتمعات لارتباطها بالشئون الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، ولأن الإدارة هي التي تقوم بجمع الموارد الإقتصادية وتوظيفها؛ لكي تشبع بها حاجات الفرد والجماعة في المجتمع بها يُصنع التقدم الإجتماعى، وعليها تعتمد الدول في تحقيق التقدم والرخاء لمواطنيها، كما أن الإدارة الناجحة هي الأساس في نجاح المنظمات وتفوقها على مُنافسيها.
إلا أنه في السنوات الأخيرة أدت الطريقة التي ندير بها الأعمال إلى تدهور البيئة الطبيعية إلى حد كبير وبمعدل أسرع من أي وقت مضى، جعلتنا نواجه الحدود الفيزيائية الحيوية لقدرة الأرض على دعم الحياة البشرية، من تغير مُناخ، وفيضانات، وزلازل، وغيرها من الأضرار البيئية، التي أثرت على حياة الكثير من البشر، مما جعل العالم ينتبه إلى أنه جزءًا من هذه البيئة.
ولذا واجهت منظمات الأعمال انتقادات كثيرة؛ بسبب مُمارستها لأنشطة ساعدت على زيادة التلوث البيئي، مما استدعى للقيام بدراسات وأبحاث مكثفة، للوصول إلى منهجيات ناجحة في الحفاظ على البيئة، وتطوير وصياغة مبادئ ومفاهيم جديدة لإدارة تحافظ على البيئة أطلق عليها “الإدارة الخضراء”؛ للوصول إلى مجموعة من القيم، والقضايا، والعمليات، التي يجب على الشركات والمنظمات مُعالجتها.
وقد أدرك العالم أهمية الإدارة الخضراء والمُستدامة، حيث استحدثت منظمة العمل الدولية منذ أعوام، ما يسمّى بـ”الوظائف الخضراء”، تتمحور هذه الوظائف حول التنمية المُستدامة، وتستجيب للتحديات العالمية المعنية بحماية البيئة، والتنمية الاقتصادية، وتهدف منظمة العمل من وراء ذلك، إلى تطبيق مفاهيم الاستدامة، وإضفاء الصِبغة الخضراء على أساليب العمل، وخلق بيئات عمل نموذجية وآمنة.
واستجابة إلى مُبادرات المُنظمات الدولية لأهمية الإدارة الخضراء والمُستدامة، لم يكن أمام المُنظمات خيارًا سوى القيام بدمج مُبادرات “الإدارة الخضراء” في جميع وظائف أعمالهم، من أجل تعظيم الآثار الإيجابية لأنشطتها وتوليد قيمة اقتصادية واجتماعية وبيئية مُضافة، وذلك من خلال تبني مبادئ وسياسات ومُمارسات جديدة، تعمل على تحسين نوعية الحياة لعملائها وموظفيها والمجتمعات التي تعمل فيها والالتزم بمبادئ الإستدامة البيئية في عملياتها.
حيث تركز “الإدارة الخضراء” على التحسين المُستمر للبيئية، كنهج فعال للتعامل بشكل استباقي مع القضايا البيئية، من خلال تطبيق الأفكار الابتكارية؛ لتحقيق الاستدامة، والحد من النفايات، والمسئولية الاجتماعية، وتحقيق ميزة تنافسية، من خلال التعلم المستمر والتطوير، وتبني الأهداف والإستراتيجيات البيئية التي تتكامل مع أهداف وإستراتيجيات المُنظمة.
لذا أصبح لالزمًا على المنظمات أن تتبع نهجًا ومعايير خضراء في إدارتها التشغيلية، وفي إخراج منتجاتها، ودمج القضايا البيئية في استراتيجيتها، فضلاً عن وضع أهداف لحماية البيئة، وأن يعُد “تخضير” الأعمال جزءًا من استراتيجيتها؛ لإنجاز الأعمال بالطريقة التي لا تشكل أي تهديدًا اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو بيئيًا للأجيال الحالية والمستقبلية.
الدكتورة/ هويداعزت.. باحثة وكاتبة في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة