التعليم

د. محمد رجب فضل الله يكتب: معلم المستقبل.. رائد أعمال

الأحد 16 مايو، 2021 | 2:04 ص

اهتمام معاصر بمجال ريادة الأعمال
شهدت السنوات العشر الأخيرة اهتماماً متزايداً بريادة الأعمال التي تهتم بإقامة المشروعات، وتبني الأفكار الإبداعية في مجالات الحياة المختلفة.

وبدأ الحديث عما يُسمى بالجامعة الريادية التي تصمم برامجها الدراسية، وتوجه التخصصات داخلها لتخريج طلاب قادرين على إيجاد فرص في أسواق العمل ، وخاصة في القطاع الخاص.

وأصبح تعزيز التفكير الريادي، والتعليم الريادي، وتنمية المهارات الريادية لدى الطلاب، وخاصة الشباب في المرحلة الجامعية، والمتوقع أن يكونوا أصحاب أفكار ومبادرات تطويرية في مجتمع الجامعة، والمجتمع الخارجي دافعاً لتأصيل ثقافة ريادة الأعمال لدى طلاب الجامعة ، وهو ما يمكن أن يكون حجر الزاوية في إحداث التنمية المستدامة التي نتطلع إليها في إطار رؤية مصر 2030.

ونحن – التربويين – يشغلنا في هذا السياق – برامجنا في كليات التربية، والملتحقين بها من الطلاب المعلمين، والخريجين فيها من المعلمين الجدد.

كليات التربية: إعادة هيكلة برامج الإعداد ضرورة
إن العمل على إعادة هيكلة برامج إعداد المعلمين بكليات التربية مطلباً مُلحاً لمواجهة التغيرات والتطورات الحادثة في المجتمع المصري بخاصة، والمجتمعات العربية بعامة، والمؤثرات العالمية المتلاحقة عليها في شتى مجالات الحياة؛ مما يلزم هذه الجامعات، وتلك المجتمعات تطوير قدراتها؛ ليتمكن خريجوها من مواجهة التغيرات الحالية، والتطورات المستقبلية.

وتأتي احتياجات أسواق العمل المعاصرة، ولاسيما في المجالات التربوية والتعليمية والتطلع إلى ربط إعداد المعلم بهذه الأسواق؛ بغية الوفاء باحتياجاتها؛ عاملاً أساسياً في زيادة الإقبال على الالتحاق ببرامج كليات التربية المُعاد هيكلتها؛ لأن خريجيها الذين تم إعدادهم لأسواق العمل الجديدة، وجودة تدريبهم على المهارات اللازمة له سيجدون فرصاً للتوظيف والعمل وفق معارف حديثة، ومهارات متجددة؛ تساعدهم على الإنجاز، وتمنحهم فرص إكساب أنفسهم مهارات أخرى جديدة كلما تطلب العمل ذلك، وبصورة مستدامة.

والبرامج المميزة بكليات التربية يجب ألا تتوقف عند إعداد الملتحقين بها لاعتلاء وظيفة التدريس، أو الحصول على فرصة عمل في مدارس حكومية أو خاصة – فحسب – بل تتطلب إعدادهم لمهن ترقى بأصحابها لإدارة مشروعات تربوية وتعليمية، وتدفعهم إلى تنمية أنفسهم مهنياً للفهم باحتياجات هذه المشروعات، ومتطلبات جودتها.

إن برامج إعداد المعلم – حالياً – يجب أن تعتمد الإعداد المهني القائم على الأداء إلى جانب المعارف، ويجب أن يتجاوز إكساب كفايات خاصة تتصل بمهنة محددة إلى تحقيق معايير عالمية لازمة للخريج الحالي، ومنها معيار : القدرة على ريادة أعمال تربوية وتعليمية.

مطلوب لإعداد معلم المستقبل
إن هذا النوع من الإعداد يتطلب توفر مقررات عملية يكون من بينها مقرر يرتبط بكيفية إنشاء شركات تعليمية ناشئة، إلى جانب المقررات النظرية، ومن بينها مقرر في ريادة الأعمال، والأهم من هذين النوعين من المقررات تضمين مناهج الإعداد برامج ميدانية، توفر ساعات مصاحبة للدراسة النظرية والعملية، تركز على التدريب الميداني المؤهِل لاكتساب خبرات أسواق العمل المعاصرة، وتتيح فرصاً لزيارة المشروعات التعليمية الناجحة، والجلوس إلى أصحابها ذوي الخبرات في ريادة مثل هذه الأنواع من الأعمال.

لقد أوصت دراسات وبحوث بتعميم مقررات ريادة الأعمال في كل الكليات، ودمج تعليم ريادة الأعمال في المقررات الدراسية، والاهتمام بعمل البرامج التدريبية اللازمة لتخريج كوادر متخصصة في ريادة الأعمال، والتركيز على التعليم التفاعلي، والمحتوى المتضمن على نماذج ناجحة من رواد الأعمال في مجال تخصص الطالب، والاستعانة برواد الأعمال الناجحين في المجتمع في تدريس المقررات.

إن مثل هذه التوصية توجه المهتمين بتصميم البرامج الدراسية في الجامعات إلى الشروع في جعل بعض أنشطة هذه البرامج بمثابة حاضنات للأعمال، وذلك لاحتضان أصحاب الأفكار الإبداعية والريادية، ورعايتهم، ولعل برامج إعداد المعلمين يمكن أن تكون مجالاً لتطبيق مثل هذا التوجه المعاصر في مجال تخصصها: التربية والتعليم.

ريادة الأعمال التعليمية والتربوية

لقد أدت بعض الأوضاع إلى ضرورة التوجه إلى ريادة الأعمال التعليمية والتربوية ، ومن هذه الأوضاع
– الغاء تكليف خريجي كليات التربية المعنيون بالتدريس، وذلك منذ العام 1998، ومنذ ذلك التاريخ اقتحم “التدريس” خريجون من كليات وتخصصات لا علاقة لها بالمهنة كما أنهم غير مؤهلين للممارسة التدريس.
– استمرار القبول بكليات التربية، وزيادة أعداد خريجيها ، مع الغاء “تكليف المعلمين” السابق الإشارة إليه تسبب في ارتفاع معدلات البطالة بين خريجي كليات التربية الى ما يقرب من 50 ألف سنويا.
– ضعف وجود فرص عمل مناسبة، ولا سيما مع زيادة نسبة البطالة في مصر إلى (11.3 % )، وفق تقرير منظمة الأمم المتحدة للتنمية البشرية 2013 بمساعدة من قسم مؤشرات البنك الدولي، ووجود توقعات ملموسة بعدم القضاء إلا على ٣٠٪ فقط من البطالة الحالية لخريجي الجامعة.
– زيادة الإقبال على مراكز الاستشارات التربوية والتعليمية، من ناحية وعلى مراكز الدروس الخصوصية من ناحية أخرى، وعلى التعامل مع المنصات التعليمية، واقتناء التطبيقات والبرامج الالكترونية ذات العلاقة بالمناهج الدراسية، وغير ذلك؛ رغم عدم مشروعية بعضها، والنظرة إليها كتعليم موازي يؤثر سلباً على الوظيفة التربوية والتعليمية للمدرسة.
– خلو الخطط الدراسية- -لبرامج إعداد المعلم بكليات التربية من مقررات دراسية، أو أنشطة بحثية وتعليمية ذات علاقة بدراسات جدوى مشروعات تربوية وتعليمية، وكيفية إنشائها، وإدارتها.

مما يؤكد الحاجة إلى إعادة هيكلة برامج إعداد المعلم بكلية التربية، وفق رؤية مستقبلية قائمة على فكر ريادة الأعمال ومتطلبات تطبيقه في المهن التربوية والتعليمية”

توجهات مستقبلية في إعداد المعلم بكليات التربية
على كليات التربية – من الآن ، وصاعداً – أن تهتم بما يلي:
– تعرف واقع ثقافة ريادة الأعمال لدى الطلاب المعلمين.
– قياس اتجاهات الطلاب المعلمين بكليات التربية نحو ريادة الأعمال التربوية والتعليمية.
– الكشف عن خبرات الطلاب المعلمين بالمشروعات التربوية والتعليمية، وتقديرهم الذاتي لاستعداداتهم وقدراتهم على إنشائها، وإدارتها.
– التحقق من مدى إمكانية إعادة هيكلة برامج إعداد المعلم؛ لإكساب الطلاب المعلمين معارف ريادة الأعمال، والمهارات المرتبطة بها، وذلك أثناء دراستهم بكليات التربية.
– تقديم تصور مقترح لإعادة هيكلة برامج إعداد المعلمين بكليات التربية؛ وفق رؤية هادفة لتخريج معلمين ممارسين مهنيين مبدعين في ريادة الأعمال التربوية والتعليمية المبتكرة.

معلم المستقبل: جسر بين التعليم ، وريادة الأعمال
إن هذا الموضوع: المعلم : رائد الأعمال التربوية والتعليمية : موضوع حديث في الدراسات التربوية بعامة، وفي الدراسة الخاصة بتصميم البرامج الدراسية وتطويرها بخاصة.
وهو موضوع استكشافي، في مجال إعادة هيكلة برامج إعداد المعلم بكليات التربية بهدف تخريج متخصصين في ريادة الأعمال التعليمية.

ولعله استثارة للاهتمام الأكاديمي للباحثين التربويين بموضوع يمكن أن يكون معاصراً وحيوياً، ويرتبط بقضايا إعداد المهنيين في مجال التعليم.، وبمكن توجه بحثي يدعو إلى الدراسات البينية حيث يجمع بين مجالي: إعادة هيكلة برامج إعداد المعلم، وريادة الأعمال.

إننا – التربويين – مطالبون بتجسير الفجوة بين مجالي: التعليم، وريادة الأعمال، وذلك بالربط بين ريادة الأعمال التعليمية وإعداد المعلم، ومناقشة كيفية تطوير برامج إعداد المعلم بدمج ريادة الأعمال وتوظيفها في عناصر هذه البرامج.
وعلينا تطوير أساليب الممارسات المهنية في التربية والتعليم للمعلمين والأخصائيين والإداريين، وغيرهم من المهنيين التربويين، وإيجاد مدخلٍ لإثراء الممارسات التربوية والتعليمية للمعلمين داخل القاعة الدراسية وخارجها، وداخل المدرسة وخارجها، وتوفير دعائم حقيقية يُبنى على أساسها تطوير البرامج والخطط الدراسية بكليات التربية بتضمينها موضوع ريادة الأعمال ذات العلاقة بمهنة التعليم، في صورة مقررات دراسية، أو أنشطة لا صفية، أو مهام أدائية للتعليم، وللتقويم وقياس أثره في الممارسة المهنية لأصحابها. وللحديث بقية

أ.د. محمد رجب فضل الله
الأستاذ بكلية التربية بجامعة العريش
[email protected]