جامعات

“الخشت” يرأس جلسة “نحو مواطنة مستدامة” بمنتدي تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة بأبوظبي

الثلاثاء 7 ديسمبر، 2021 | 8:47 ص

رئيس جامعة القاهرة يدعو لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي وإبراز العلوم والفنون والثقافة والآداب.. ويؤكد: تاريخنا ليس الحروب فقط

الدولة الوطنية هي أرقى أشكال الدول لإرتباطها بالقانون الطبيعي

المواجهة الشاملة لأعداء النموذج الوطني ليست أمنية وعسكرية فقط.. بل ثقافية وفنية وتعليمية وإجتماعية

ضرورة تغيير طرق تأليف المناهج والتدريس والإمتحانات لتكوين العقل المفتوح

ترأس الدكتور محمد عثمان الخشت، أستاذ فلسفة الدين ورئيس جامعة القاهرة، جلسة بعنوان “نحو مواطنة مستدامة على بساط السلم” ضمن فعاليات الملتقى الثامن لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة “المواطنة الشاملة.. من الوجود المشترك إلى الوجدان المتشارك”، والذي عقد بدولة الإمارات، خلال الفترة من 5 وحتى 7 ديسمبر 2021، تحت رعاية الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي بالإمارات، ورئاسة الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم ورئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، وبمشاركة وزراء وممثلي حكومات ومنظمات دولية وشخصيات رفيعة المستوى وعشرات المفكرين والأكاديميين والباحثين وعلماء الدين من مختلف الأديان والمذاهب وبحضور العشرات من الباحثين الشباب.

وفي بداية كلمته، أكد الدكتور محمد الخشت على أن مفهوم المواطنة في حدود الدولة الوطنية هو المفهوم الذي تقوم عليه الدولة بالمعنى المعاصر، مشيرًا إلى أن الدولة الوطنية هي أرقى أشكال الدول لإرتباطها بالقانون الطبيعي، وحماية المقدرات الشخصية والعامة، وحقوق الإنسان، والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، حيث أن الدولة الوطنية هي الأصل والانتماء والولاء والملاذ في مقابل الفوضى والضياع ومهددات الوجود، لافتًا إلى أن الدولة الوطنية هي التي يتساوى فيها الجميع الذين يعيشون في الوطن نفسه مساواة كاملة في الحقوق والواجبات، وأمام القانون دون تمييز بينهم على أساس اللون أو العرق أو الدين أو الفكر أو الموقف المالي أو الانتماء السياسي، ويحترم كل مواطن المواطن الآخر.

وحدد الخشت، سمات المواطنة وترسيخها وكيف تكون عاملًا في بناء الدولة، مؤكدًا أن حقوق وواجبات المواطنة تتفاوت نسبيا، وتزيد واجبات المواطنة بتولي وظائف أعلى أو الإنتماء لهيئات أو مهن، وكذلك الحقوق قد تزيد وقد تنقص حسب ظروف الحرب والسلام.

ودعا رئيس جامعة القاهرة، إلى ترسيخ سمات الدولة الوطنية من خلال مجموعة من الوسائل، أبرزها التوسع في تذوق وتعليم الفنون والآداب وتاريخ الحضارة وتاريخ العلوم،  ونوعية جديدة من التعليم تقدم له أسلوب حياة وطريقة عمل، ونوعية جديدة تعتمد على التعلم بدل التعليم، والبحث بدل النقل، والحوار بدل الإستماع، والقدرة على الإختلاف بدل التسليم المطلق بالأفكار السائدة، بالإضافة إلى طرق تدريس جديدة قائمة على التربية الحوارية والتي تهدف إلى تخريج شخصية حرة واعية قادرة على الحوار، وغير متعالية عليه؛ مما ينشأ عنه  النمو في تكوين المواقف والآراء الجديدة.

وأضاف رئيس جامعة القاهرة، أن  المواجهة الشاملة لأعداء النموذج الوطني، تستلزم الحل الثقافي والفني والتعليمي والإعلامي والإجتماعي والسياسي والإقتصادي، موضحا أن  المواجهة الأمنية والعسكرية خيار ينجح في حسم المواجهة مؤقتا، ويقتلع أغصان الشجرة، لكن هذه الشجرة تعود لتنبت في موسم آخر.

وأكد الخشت، أن تغيير ماكينة التفكير يبدأ من تغيير طرق تفكير الطالب من خلال تغيير طرق تأليف المناهج وطرق تدريس المادة العلمية وطرق الامتحانات؛ لتكوين العقل المفتوح الذي ينمو بإستمرار والقضاء على العقل المغلق الجامد، مؤكدا علي ضرورة إعادة كتابة التاريخ الإسلامي وإبراز تاريخ العلوم والفنون والثقافة والآداب؛ قائلا: “تاريخنا المقروء هو تاريخ الحروب فقط، بينما تاريخنا الحقيقي أوسع من ذلك بكثير”.

وأشار الخشت إلى أن الثقافة والفنون لهما دور كبير في تشكيل وجدان الأجيال، من خلال الإرتقاء بالغناء والموسيقى والفنون الجميلة والتطبيقية، وتطوير صناعة السينما والمسرح لتكون جزءًا من مواجهة العقل المغلق وذلك لقدرتها على التأثير في النموذج الإدراكي والسلوكي للشعوب، موضحًا أن المعركة ليست فقط مع حاملي السلاح، بل هي معركة مع العقول المغلقة، وهذه العقول تمت صناعتها على أعيننا ليس في الزوايا ومجالس العلم المزيفة فقط، ولكن في المناهج التعليمية التي تنتج “ماكينات” للحفظ لا عقولا تفكر تفكيرًا نقديًا، وهذه الماكينات تتغذى على منظومة ثقافية هشة.

وأوضح الخشت، أن تغيير ماكينة الأفكار لابد أن تطال “ماكينة” التفكير عند الشعوب بالكامل بحيث لا ينحصر التغيير فقط على مستوى المدارس والجامعات، وإنما من الضروري أن يشمل تغيير طرق تفكير الناس العادية في الحياة اليومية وفي العمل والمجتمع والسياسة، ومن ثم يجب فض الانفصام بين العلم الذي يُدرس في الكتب وطرق تفكير رجل الشارع والمشتغل بالدين أو الإعلام أو غيره من منابر الرأي والتعليم والثقافة، مشيرًا إلى أن الهدف هو صناعة عقول مفتوحة على الإنسانية في ضوء العودة إلى المنابع الصافية للقرآن والسنة المتواترة.

وشارك في موضوعات جلسة “نحو مواطنة مستدامة على بساط السلم” التي ترأسها الدكتور محمد عثمان الخشت، كل من: الدكتور سعيد حميد كميش، رئيس ديوان الوقف السني بالعراق، والدكتور سعيد بنبشر، وزير الثقافة السابق بالمغرب، والدكتور محمد السماك، عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة من لبنان، والدكتور البكاي ولد عبدالمالك، وزير التعليم بموريتانيا، والأب كانون أنتوني بول، عميد كنيسة القديسة مارغريت بالمملكة المتحدة، والدكتورة آمنة حتى، كاتبة وأكاديمية متخصصة في فلسفة الدين من باکستان، والدكتورة كاثرين مارشال، زميلة أولى في مركز بيركلي للدين والسلام والشؤون العالمية بأمريكا، والدكتور نصر عارف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد.

جدير بالذكر أن الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، فيلسوف عربي معاصر، ألف عددًا من الكتب ناقش فيها قيم وأخلاق التقدم ومنها كتابه الصادر حديثًا بعنوان “أخلاق التقدم”، كما نشر رؤيته الخاصة عن مفهوم الدولة الوطنية ودورها في العصر الحديث، في كتبه ومنها “فلسفة المواطنة وأسس بناء الدولة الحديثة” و “المجتمع المدني والدولة”.

يشار إلى أن الملتقى السنوي الثامن لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، إختار موضوع المواطنة هذا العام نظراً لأهميته في ترسيخ السلام العالمي وحفظ السكينة في المجتمعات والأوطان، واستثمارًا لتراكم نتائج عمل المنتدى منذ تأسيسه عام 2014 وسعيه لأن يوفر فَضاء للعلماء لنشر رسالة السلم والتعاون على الخير والإسهام الإيجابي في تصحيح المفاهيم باعتماد المنهجية العلمية الرصينة، كما يسعى المنتدى إلى تعميق البحث في مفهوم المواطنة في عالم ما بعد كورونا متناولاً بشكل خاص إمكانات وتحديات التنوع والتعددية واستثمارهما في دعم السلم المجتمعي والتحفيز على التنمية المستدامة، حيث يطمح المنتدى للخروج بوثيقة جامعة تستلهم المشتركات الدينية والإنسانية والسياقات الحضارية المعاصرة من أجل عالم أفضل تسود فيه الفضائل وقيم التعايش والتضامن والوجدان المتشارك.