الدكتورة هويدا عزت تكتب: المصريون يُحيون التاريخ على طريقتهم.. افتتاح المتحف المصري الكبير يتحول إلى ظاهرة رقمية عالمية

“المرء يموت مرتين، مرة حين يتوقف قلبه، ومرة حين يُنسى” – حكمة مصرية قديمة، لكن يبدو أن المصريين اليوم يرفضون النسيان، فيُحيون تاريخهم من جديد، ويُعيدون للحضارة المصرية مجدها في ثوب معاصر.

في الأول من نوفمبر 2025، تتجه أنظار العالم إلى مصر، حيث تستعد لافتتاح المتحف المصري الكبير، أضخم متحف أثري في العالم، وأحد أكبر المشاريع الثقافية التي عرفها التاريخ الحديث، المتحف لا يمثل مجرد مبنى يضم كنوز الفراعنة، بل صرحًا وطنيًا يجسد عراقة الهوية المصرية وامتدادها الإنساني، ويعكس قدرة الدولة على تحويل التاريخ إلى تجربة معاصرة تجمع بين المعرفة والجمال والفخر الوطني.

تزامنًا مع اقتراب الافتتاح، اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي موجة فرعونية واسعة، حيث تداول آلاف المستخدمين صورًا رقمية لأنفسهم بهيئة ملوك وملكات من مصر القديمة، في مشهد يمزج بين الأصالة والحداثة، تحولت هذه الصور إلى ظاهرة رقمية فريدة، أعادت إحياء رموز الحضارة المصرية بطريقة عصرية، وعبرت عن فخر المصريين بتراثهم، وارتباطهم العاطفي العميق بجذورهم التاريخية.

لم تكن هذه المشاركة الشعبية مجرد موجة ترفيهية، بل حملة ترويجية غير رسمية دعمت صورة مصر عالميًا بذكاء فطري، فكل صورة منشورة كانت بمثابة “سفير رقمي” يروي للعالم حكاية مصر العظيمة، ويحول الحدث من مناسبة محلية إلى ظاهرة ثقافية وسياحية تتصدر محركات البحث ومنصات التواصل حول العالم.

أثبتت هذه الظاهرة أن وسائل الإعلام الجديدة يمكن أن تكون جسرًا للانتماء الثقافي، تعيد ربط الأجيال الحديثة بحضارتها، وتؤكد أن التراث لا يعيش في المتاحف فحسب، بل في الوجدان والذاكرة أيضًا، بهذا المعنى، يصبح المتحف المصري الكبير أكثر من صرح أثري؛ إنه رمز لهوية لا تُنسى وتاريخ لا يموت.

المتحف المصري الكبير لا يمثل ختام رحلة الاكتشاف، بل بدايتها الحقيقية، إنه بوابة جديدة للتاريخ تُفتح بروح العصر، تحكي للعالم أن حضارة مصر لم تغب يومًا، بل ما زالت تنبض بالحياة.. في القلوب، وفي الصور، وعلى الشاشات.

الدكتورة هويدا عزت
كاتبة وباحثة في العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة