الدكتورة جيهان رجب تكتب: القيادة النسائية المصرية في الأزمات.. صلابة في مواجهة التحديات

في أوقات الأزمات يتضح معدن القادة الحقيقيين، ويبرز دور السيدات المصريات اللواتي استطعن أن يتحملن ضغوطا نفسية هائلة ويقدمن أداء مؤثرا في حماية المجتمع وإدارة المواقف الحرجة. لم يكن حضور السيدات مجرد مشاركة شكلية، بل تجسد في قرارات استراتيجية وحلول عملية ساهمت في تجاوز ظروف غير مسبوقة.
من أبرز النماذج الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة السابقة التي واجهت أزمة جائحة كورونا بكل ما حملته من ضغوط. في لحظة تاريخية صعبة تحملت مسؤولية إدارة المنظومة الصحية في ظل نقص عالمي في الموارد وتزايد معدلات القلق المجتمعي. عملت على تأمين اللقاحات بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، وأشرفت على خطط الطوارئ لتوسيع الطاقة الاستيعابية للمستشفيات. الضغوط النفسية التي واجهتها لم تكن فقط بسبب شدة الأزمة، بل أيضا بسبب متابعة الرأي العام المستمرة، ومع ذلك استطاعت أن تدير المشهد بدرجة عالية من الصلابة والانضباط.
كذلك برزت الدكتورة رانيا المشاط، الوزيرة الحالية للتخطيط والتنمية الاقتصادية، والتي لعبت دورا محوريا في توفير التمويل اللازم لمشروعات الصحة والتنمية خلال الأزمة عبر الشراكات الدولية. كان عليها أن تواجه تحديات تفاوضية وضغوطا اقتصادية عالمية، ومع ذلك تمكنت من تحويل الأزمة إلى فرصة لتوسيع شبكات التعاون وتدعيم الاقتصاد الوطني، وهو ما أظهر مرونة نفسية وقدرة على تحمل أعباء القيادة في أصعب الظروف.
أما الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي السابقة فقد حملت على عاتقها مسؤولية حماية الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع. توسعت في برامج “تكافل وكرامة” لتشمل ملايين الأسر، ووفرت شبكات أمان اجتماعي في وقت فقد فيه كثيرون مصادر دخلهم. الدور الذي قامت به عكس وعيا اجتماعيا وقدرة على التفاعل الإنساني مع الضغوط، حيث جمعت بين التخطيط الاستراتيجي والاستجابة الفورية للاحتياجات العاجلة.
ولا يمكن إغفال دور الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة السابقة التي واجهت تحديات مرتبطة بالأزمة المناخية وجائحة كورونا معا. استطاعت أن تقود ملف مصر في قمة المناخ COP27، وأكدت حضور مصر كصوت مؤثر في قضايا البيئة على الساحة الدولية. هذا الدور يتطلب قدرة على التحمل النفسي والدبلوماسي في وقت واحد، حيث كان عليها التفاوض مع دول كبرى ومنظمات عالمية لتحقيق مكاسب وطنية وعالمية.
كما برز أيضا دور السفيرة سها جندي وزيرة الهجرة السابقة، التي قادت عمليات إجلاء آلاف المصريين من مناطق الصراع مثل السودان. تلك المهمة ارتبطت بأزمة إنسانية معقدة وضغوط زمنية شديدة، لكن إدارتها الحاسمة والتواصل المستمر مع الجاليات المصرية أعطى مثالا على أن السيدات في مواقع القيادة قادرات على العمل في ظروف ضاغطة ومعقدة.
ويضاف إلى هذه النماذج البارزة دور الدكتورة مايا مرسي التي تولت رئاسة المجلس القومي للمرأة. فقد قادت المجلس ليكون أول جهة حكومية في العالم تصدر ورقة سياسات متكاملة لرصد الإجراءات الداعمة للسيدات خلال أزمة كورونا. تحت قيادتها، أصدر المجلس تقارير دورية تضمنت أكثر من مئة إجراء وسياسة حكومية لحماية السيدات والفتيات اجتماعيا واقتصاديا وصحيا خلال الجائحة. كما ساهمت في طرح التجربة المصرية على المستوى الدولي عبر الأمم المتحدة، بما جعل مصر من أوائل الدول التي اعتمدت منهجا شاملا لدمج احتياجات السيدات في الاستجابة للأزمة. هذا الدور يعكس أن القيادة النسائية لا تقتصر على الوزارات التنفيذية فقط، بل تشمل أيضا المؤسسات الوطنية التي تضطلع بمهام التخطيط ورسم السياسات.
خلاصة هذه النماذج أن القيادة النسائية المصرية في الأزمات أثبتت قدرتها على الجمع بين التفكير الاستراتيجي والتواصل الإنساني، وتحويل الضغوط النفسية إلى محفزات للعمل المبدع. وما يميز هذه التجارب ليس فقط نجاحها في إدارة المواقف الطارئة، بل أيضا قدرتها على خلق أرضية لمرحلة جديدة أكثر مرونة واستدامة. هذه النجاحات لا تعكس فقط كفاءة السيدات في إدارة الأزمات السابقة، بل تؤكد أيضا جاهزيتهن لقيادة المرحلة القادمة التي تتطلب رؤى مبتكرة وحلول غير تقليدية. فالتحديات المستقبلية، سواء الاقتصادية أو المناخية أو التكنولوجية، تحتاج إلى قيادات تمتلك مرونة فكرية وقدرة على التكيف السريع، وهي سمات أثبتت القيادات النسائية المصرية امتلاكها بجدارة. إن حضورهن في مواقع صنع القرار لم يعد خيارا، بل ضرورة استراتيجية لضمان استمرار مسيرة التنمية وتعزيز مكانة مصر إقليميا ودوليا.
ا.د جيهان رجب
أستاذ بجامعة عين شمس