الدكتورة جيهان رجب تكتب: لماذا أصبحت المرأة القائد الذي تحتاجه الأزمات؟

هل تصلح المرأة لتكون قائدا ناجحا؟، هذا السؤال ظل مطروحا لسنوات طويلة في الأوساط الاجتماعية والمهنية، وكانت الإجابات تتراوح بين التأييد والتحفظ، حتى جاءت التجارب الواقعية لتضع النقاط على الحروف، وتؤكد أن القيادة ليست امتيازا يمنحه النوع، بل هي كفاءة ومهارات تتعلق بالقدرة على الإقناع وصناعة القرار وتحقيق الأهداف.
في عصر يشهد تسارعا غير مسبوق في وتيرة التغيير، وتحديات متلاحقة على المستويات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، أصبحنا في حاجة إلى أنماط جديدة من القيادة، أنماط تركز على التكيف السريع والابتكار والذكاء العاطفي، وهي سمات تكاد تكون مرادفة للقيادة النسائية الحديثة.
القيادة في جوهرها عملية تأثيرية تهدف إلى توجيه الأفراد وتحفيزهم لتحقيق أهداف مشتركة، ولعل الدراسات الحديثة تؤكد أن المرأة لا تقل كفاءة عن الرجل في هذا المجال، بل قد تتفوق عليه في بعض الجوانب الحاسمة.
تقرير صادر عن مجلة هارفارد بزنس ريفيو أشار إلى أن النساء حققن درجات أعلى من الرجال في غالبية الكفاءات القيادية التي تقيسها المؤسسات، ومن أبرزها القدرة على التواصل الفعال، وبناء العلاقات القوية، وإدارة فرق العمل بفاعلية، والتحفيز المستمر للأفراد. هذه السمات تجعل المرأة أكثر استعدادا لممارسة القيادة في بيئات العمل الحديثة التي تتطلب مرونة ومهارات تواصل عالية.
الأمثلة الواقعية تثبت أن النساء لعبن أدوارا قيادية محورية في أصعب الظروف. أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية السابقة، نجحت في إدارة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي واجهتها أوروبا لسنوات طويلة بحكمة وثبات، وأصبحت نموذجا عالميا في اتخاذ القرارات الصعبة دون فقدان ثقة المجتمع. كذلك، كريستين لاغارد، التي قادت صندوق النقد الدولي في مرحلة حرجة من الاقتصاد العالمي، برهنت على أن المرأة تستطيع تحمل المسؤوليات الكبرى في مؤسسات مالية عالمية دون أن تفرط في الصرامة أو التوازن المطلوب.
وفي عالم الأعمال، نجد أسماء بارزة مثل ماري بارا، الرئيس التنفيذي لشركة جنرال موتورز، التي قادت واحدة من أكبر شركات السيارات في العالم نحو التحول الرقمي والتكنولوجي.
ما الذي يجعل القيادة النسائية مختلفة؟، في البداية، يمكن القول إن المرأة تمتلك درجة عالية من الذكاء العاطفي الذي يمنحها القدرة على فهم مشاعر الآخرين والتعامل معها بمرونة، وهو عنصر أساسي في بناء فرق عمل قوية ومتماسكة. إضافة إلى ذلك، فإن المرأة غالبا ما تتبنى أسلوب القيادة التشاركية الذي يتيح للأفراد المشاركة في صنع القرار، مما يعزز من التزامهم بالأهداف ويولد لديهم دافعية أكبر للعمل. وفي الأزمات، تميل النساء إلى التفكير المتأني واتخاذ القرارات بعد دراسة متعمقة للخيارات، وهو ما يقلل من احتمالية المخاطرة غير المحسوبة.
من الناحية العملية، هناك العديد من المجالات التي أثبتت فيها المرأة تفوقها كقائدة. في القطاع الصحي، تمكنت الكثير من القيادات النسائية من إدارة المستشفيات والمنظومات الصحية بكفاءة عالية، خاصة خلال الأزمات مثل جائحة كورونا حيث لعبت النساء أدوارا محورية في إدارة فرق الرعاية الصحية.
في قطاع التعليم، نجد النساء في مواقع قيادية مؤثرة سواء في الجامعات أو المؤسسات الأكاديمية، حيث يجمعن بين الصرامة في تحقيق الأهداف الأكاديمية والمرونة في التعامل مع التحديات الإنسانية. أما في مجالات التسويق والإعلام، فقد أظهرت المرأة قدرة فائقة على الإبداع وصياغة استراتيجيات التأثير في الجماهير. ولا يمكن إغفال حضور المرأة في إدارة الموارد البشرية، حيث برعت في بناء ثقافات تنظيمية إيجابية تركز على التوازن بين العمل والحياة. ومع تطور التكنولوجيا، دخلت المرأة بقوة إلى عالم ريادة الأعمال والشركات الناشئة، لتثبت قدرتها على قيادة مشاريع مبتكرة وتحدي المنافسة في أسواق شديدة الديناميكية.
يمكن القول إن القيادة ليست امتيازا للرجل أو المرأة، بل هي منظومة من المهارات والسمات التي يكتسبها الفرد بالتعلم والخبرة. ومع ذلك، أظهرت التجارب أن المرأة تتمتع بقدرات خاصة تجعلها عنصرا محوريا في قيادة المؤسسات والمجتمعات نحو مستقبل أكثر توازنا وإنسانية.
المرأة اليوم لا تكتفي بأن تكون جزءا من مشهد القيادة التقليدي، بل تفرض نمطا جديدا يقوم على المشاركة والابتكار والوعي العاطفي. لقد تجاوزت مرحلة إثبات الذات لتدخل مرحلة صناعة القواعد الجديدة التي ستحدد ملامح القيادة في القرن الحادي والعشرين.
ا.د جيهان رجب
أستاذ بجامعة عين شمس