أهم الأخبارمقالات

د. نجلاء الجعفري تكتب | سكنت الذاكرة ولن ترحل: في حب زميلتي د. ولاء الشملول التي رحلت وبقي أثرها

الإثنين 28 يوليو، 2025 | 8:31 م

د. ولاء الشملول.. غابت بجسدها وبقيت سيرةً عطرة وأثر لا يُنسى

بالأمس رحلت عن عالمنا صديقتي وأختي الغالية، الدكتورة ولاء الشملول، مدرس الصحافة بكلية الإعلام – جامعة بني سويف سابقًا والمدرس بقسم الإعلام جامعة حلوان حاليا. رحلت بجسدها، لكنها تركت وراءها أثرًا لا يُمحى، وذكريات نابضة بالحب والصدق والوفاء. رحلت، لكن سيرتها الطيبة ستظل حيّة في قلبي، وفي قلوب من عرفوها ولمسوا إنسانيتها. لقد كانت أكثر من زميلة… كانت أختًا، وسندًا، ورفيقة طريق، ومصدر دعم لا يُقدّر بثمن.علّمتني كيف يكون العطاء من القلب، وكيف تتركين في كل مكان بصمة لا تُنسى.

الراحلة الدكتورة ولاء الشملول
الراحلة الدكتورة ولاء الشملول

منذ أن تعيّنا سويًا أنا والدكتورة ولاء الشملول بقسم الصحافة في كلية الآداب بجامعة بني سويف عام 2011، لاحظت فيها سمات نادرة: انضباطها الشديد في العمل، وحرصها الصادق على أداء رسالتها تجاه طلابها. قد يراها البعض في البداية صارمة أو شديدة، لكنها في الحقيقة كانت مزيجًا فريدًا من الحزم والرحمة… كانت تعرف كيف تحفّز طلابها، وتدفعهم نحو الأفضل، دون أن تتخلى عن مبادئها أو رسالتها الأكاديمية.

كانت د. ولاء، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، نموذجًا للأستاذة التي تُهاب وتُحترم وتُحب… فرغم أنها كانت صارمة في مواعيد محاضراتها ولا تقبل التهاون في الالتزام بالحضور والانضباط داخل القاعة، إلا أن هذه الصرامة لم تكن يومًا قسوة، بل كانت نابعة من إيمانها بأن احترام الوقت هو أول دروس النجاح.

كانت صارمة لكنها، في الوقت ذاته، كانت تعرف كيف تكافئ طلابها المتميزين والملتزمين… فكانت تصنع لهم “قائمة شرف” خاصة لهم، تكتب فيها أسماء من واظبوا على الحضور وشاركوا بجدية، وتحرص على الإشادة بهم أمام الجميع وتقدم لهم هدايا كأنها تقول لهم: التفوق لا يمر دون تقدير.

بهذه الروح المخلصة، جمعت د. ولاء بين الحزم والرحمة، وبين الجدية والاحتواء. فلا عجب أن تركت في نفوس طلابها وزملائها أثرًا لا يُنسى… رحمها الله رحمة واسعة.

رغم أن د. ولاء كانت تُدرس غالبًا مادتي الإخراج الصحفي والنقد الأدبي، إلا إنها لم تتوقف يومًا عن تشجيع الطلاب على خوض مجال التحرير الصحفي. كانت ترى في كل طالب مشروع صحفي ناجح يستحق الدعم والتوجيه، وكانت تمد يدها دومًا لتفتح لهم الأبواب.

لم تكن د. ولاء فقط دكتورة جامعية… بل كانت داعمة، مُحفّزة، قدوة في العطاء، والاهتمام، والتفاني، رحمها الله، وكتب لها أجر كل طالب صعد خطوة للأمام بدعمها وإيمانها به.

قبل أن تنتقل زميلتي وأختي الغالية د.ولاء الشملول – رحمها الله – للعمل بقسم الإعلام كلية الآداب جامعة حلوان كنت اعتبرها من الركائز الأساسية في قسمنا الحبيب بجامعة بني سويف حيث تولت ملف التدريب العملي للطلاب نصب أعينها، ولم تكن مجرد مشرفة إدارية عليه، بل كانت روحًا دافعة وحافزًا حقيقيًا لطلابها.

لم تكتفِ الدكتورة ولاء الشملول – رحمها الله – بتنظيم الدورات التدريبية لطلاب قسم الصحافة فقط، بل كانت تتابع خطواتهم لحظة بلحظة، تفرح بإنجازاتهم كأنها إنجازات شخصية لها.

تُعد د. ولاء الشملول – رحمها الله – من أوائل من اهتموا بتدريب طلاب قسم الصحافة بكلية الآداب، جامعة بني سويف، وكانت تطلب منى أن أعاونها وكنت أفعل ذلك بحب، كانت د. ولاء تخطط لتدريب الطلاب بشكل عملي ومهني منظم، في وقت لم يكن فيه التدريب جزءًا أساسيًا من الخطة الدراسية كما هو اليوم.

ففي عام 2012 وتحديًدا في شهر ديسمبر، وكانت آنذاك لا تزال في درجة “مدرس مساعد” وكنت أنا في درجة “معيد”، قدمت اقتراحًا جريئًا بعقد ورشة تدريبية للطلاب عن فن كتابة الفيتشر، أحد الفنون الصحفية المتطورة والجذابة، ودعت الصحفية المتميزة يمنى مختار – التي كانت آنذاك صحفية شابة تتألق في هذا النوع من الكتابة – لتقديم الورشة داخل قسم الصحافة بكلية الآداب جامعة بني سويف.

كان هذا النوع من الورش يُعد نقلة نوعية في فكر التدريب الصحفي داخل الكلية، ويبرهن على مدى حرص د. ولاء على أن يتعلم طلابها كل ما هو جديد في عالم الصحافة، وأن يكونوا على تماس مباشر مع خبرات مهنية حقيقية.

ذلك الموقف لم يكن مجرد ورشة، بل كان بداية لنهج كامل تبنّته الكلية لاحقًا في فتح الأبواب أمام الخبرات الصحفية وتطوير قدرات الطلاب خارج قاعات المحاضرات، وكان لد. ولاء فيه الريادة والبصمة الأولى.

أتذكر جيدًا عام 2018، حين تقلدت د. ولاء الشملول منصب مدير وحدة التدريب بالقسم، وقتها طلبت مني مساعدتها في إنشاء مجموعة على “فيسبوك” لتنظيم توزيع الطلاب على جهات التدريب، مثل موقعي الوطن والوفد، ومجلة نصف الدنيا وغيرهم من المؤسسات الصحفية الكبرى… كانت تتابع كل تفصيلة بنفسها، تتواصل مع رؤساء التحرير مباشرة، وتطمئن أن كل طالب قد حصل على فرصته كاملة.

كانت تنشر روابط الموضوعات التي كتبها طلابها ونُشرت في المواقع والصحف التي تدربوا بها، وتشاركها على الجروب التدريبي عبر موقع الفيس بوك، وتكتب كلمات تحفيزية تحمل فخرًا صادقًا وتشجيعًا نابعًا من قلبها.

كانت تمدهم دائمًا بالنصائح المهنية والإنسانية التي يحتاجها الصحفي بعد التخرج، ترشدهم لما يجب فعله داخل غرفة الأخبار، وكيف يتعاملون باحترام وحرفية، وتذكرهم أن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل مسؤولية ورسالة.

لقد كانت – بحق – أكثر من مجرد دكتورة جامعية… كانت حاضرة في التفاصيل، وداعمة حقيقية، وسببًا مباشرًا في إيمان كثير من طلابها بأنهم يستطيعون النجاح في المهنة.

مواقف د. ولاء الشملول معي كثيرة، تحمل في تفاصيلها معاني لا تُنسى، وإن بدأت في الحديث عنها فلن يكفيني كتاب. كانت أختًا وصديقةً ومُعلّمة في آنٍ واحد، لا تبخل عليّ يومًا بنصيحة، ولا تتردد في دعمي أو الوقوف بجانبي في لحظات التحدي والضغط.

كانت حاضرة دائمًا في أدق تفاصيل العمل، وفي المواقف التي تظهر فيها معادن البشر، كانت دائمًا ذهبًا خالصًا. ترفع من عزيمتي حين أتعب، وتشاركني أفراحي كما لو كانت فرحتها، وتُعلّمني من تجاربها في العمل والطلاب والدنيا، وكأنها كانت تُمهّد لي طريقًا لأمشي فيه بثقة.

أتذكر يومًا لا يُنسى حين كنت لا أزال معيدة بقسم الصحافة بكلية الآداب – جامعة بني سويف، وفي أحد السكاشن الخاصة بمواد الدكتورة ولاء الشملول – رحمها الله – تعرضت لموقف صعب… فقد بدر من أحد الطلاب قول غير لائق أثناء المحاضرة، اضطرني حينها إلى مغادرة السيكشن احترامًا لنفسي ولمهنتي. وفي ذات الوقت، كان زميلي الرائع دكتور كريم محمد عادل – الذي كان يشاركني التدريب العملي لمادتها – قد تعرض لمضايقات مماثلة من بعض الطلاب.

توجهت إليها بعد الموقف، وأخبرتها بما حدث، فما كان منها إلا أن استمعت إلي بهدوء الأم وصرامة القائدة، ثم أعطتني أنا وزميلي د.كريم مجموعة من النصائح التربوية المهمة حول الحزم والانضباط، وعلمتنا كيف نثبت حضورنا في مواجهة أي تجاوز.

ولم تكتفِ بذلك، بل أصرت على أن تصطحبنا إلى المحاضرة التالية، ووقفت أمام طلابها بكل حزم واحترام قائلة لهم: “أي تعدٍّ باللفظ أو السلوك على دكتور كريم أو دكتورة نجلاء سأعتبره تعديًا عليّ شخصيًا… ولن أتسامح فيه”. كانت كلماتها حازمة لكنها نبيلة… موقفها هذا ترك أثرًا عميقًا بداخلي. شعرت وقتها أنني لست وحدي، وأن هناك من يحميني ويمنحني الثقة لأستمر.
هذا الموقف لن أنساه أبدًا… رحم الله من علمتنا أن القوة لا تعني القسوة، وأن الاحترام لا يُطلب بل يُفرض.

أكتب الآن، وأشعر بثقل الحنين، لأن الحديث عن ولاء لا يُروى في سطور، بل يُحفظ في القلب والذاكرة، ويُروى في المجالس التي تتحدث عن الوفاء، والعطاء، والإنسانية النادرة.

أتذكر جيدًا ذلك اليوم الذي ذهبت فيه إلى المستشفى لأضع مولودي الأول محمد، وكانت د.ولاء الشملول – رحمها الله – معي بكل كيانها رغم أنها لم تكن حاضرة بجسدها، لكنها كانت تملأ الأجواء بصوتها الحنون وكلماتها التي منحتني قوة لا توصف. طوال الطريق كانت تكلمني عبر الهاتف، لم تتركني لحظة، تطمئن عليّ وتدعو لي من قلبها، وتقول بصوتها المملوء بالحب والدفء: “شدي حيلك يا نجلاء… اجمدي كده، متقلقيش، أنا بقرأ ليكي قرآن وهتقومي بالسلامة إن شاء الله.” كانت كلماتها لي وقتها كالبلسم، تمسح الخوف من قلبي وتربّت على روحي بلطف لا يُنسى.
ذلك الموقف لم يكن مجرد مكالمة، بل كان تجسيدًا لمعنى الصداقة والإنسانية في وقت واحد. ومنذ ذلك اليوم، وأنا أحمل لها في قلبي تقديرًا لا يشيخ، وحبًا لا تبهت ألوانه.

وبعد أن رزقني الله بمولودي الأول محمد، فاجأتني دكتورة ولاء الشملول – رحمها الله – بموقف إنساني آخر لا يُنسى، فقد جاءتني ببعض الهدايا من مستلزمات التجميل كـ”الحناء والعطور وغيرها”، وهي تبتسم تلك الابتسامة الهادئة التي كانت تطمئن القلب، وقالت لي بكل رقة: “عارفة إنك بعد ما خلفتي “محمد” ممكن تنسي نفسك شوية… فقلت أشجعك على إنك وسط كل ده تفتكري نفسك”.

كلماتها كانت عميقة بشكل يدهشك أن تخرج من فتاة لم تتزوج ولم تنجب من قبل، لكنها كانت تملك قلبًا واسعًا، وعقلًا راقيًا، وإحساسًا نادرًا. كانت تنظر دومًا للأمور من زوايا لا يراها كثيرون، وتمنح من حولها مشاعر صادقة لا تطلب مقابلًا.
ذلك الموقف علّمني درسًا جديدًا في الاحتواء والحنان، وذكرني دومًا بأن العطاء لا يحتاج لتجربة شخصية بقدر ما يحتاج لقلب نقي ونية طيبة.

ستظل كلماتها تلك محفورة في ذاكرتي ما حييت، فقد كانت أختًا وصديقةً وإنسانةً من طرازٍ نادر. رحمها الله رحمة واسعة، وجعل ما قدمته لطلابها وعلمها في ميزان حسناتها.

وداعًا أختي الغالية د.ولاء، إلى أن نلتقي في الحياة الأخرى… حيث لا ألم ولا فراق، فقط رحمة ومحبة وسلام.