الدكتورة جيهان رجب تكتب: ثمن الحرب وقيمة السلام.. قراءة في أثر الصراع والتفاوض على الشعوب

في صفحات التاريخ، لم تكن الحروب مجرد مواجهات عسكرية، بل كانت لحظات مفصلية تغير مسار الشعوب، وتترك آثارا عميقة في بنية الدول ومصير الأفراد. وعلى الجانب الآخر، كانت المفاوضات هي الأمل الأخير في تفادي الكارثة أو إعادة بناء ما دمرته الصراعات.
وبين الحروب والمفاوضات، تتأرجح مصائر الأمم، ويطرح سؤال جوهري.. من يدفع ثمن الحروب؟ ومن يتحمل نتائجها؟ الحروب، مهما كانت أسبابها، تخلف وراءها دمارا اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا. فهي لا تفقد الدول فقط بنيتها التحتية وثرواتها، بل تزرع الخوف، وتفتت النسيج المجتمعي، وتنشر الفقر والتهجير والانقسامات. وغالبا ما تكون الشعوب، لا القادة، هي التي تتحمل عبء هذه النتائج. المواطن العادي هو من يفقد بيته، وأمنه، وأحيانا حياته، بينما تدار المعارك في قاعات السياسة ومصالح النفوذ.
أما المفاوضات، فرغم ما قد ينظر إليها من ضعف أو تنازل، فإنها تبقى الخيار الأرقى والأكثر إنسانية لحل الأزمات. فبالحوار، يمكن تجنب الدمار، وحماية الأجيال، وبناء مستقبل قائم على التفاهم لا على الدماء. غير أن المفاوضات الناجحة تتطلب إرادة حقيقية، وتنازلات متبادلة، ووعيا بأن المصلحة العامة للشعوب أهم من المكاسب السياسية المؤقتة.
في كثير من الحالات، تكون الحروب ناتجة عن فشل في المفاوضات، أو تجاهل للإنذار المبكر بالأزمات. وفي أحيان أخرى، تأتي المفاوضات متأخرة، بعد أن تفقد الدول الكثير من مقدراتها.
وفي الحالتين، تظل الحقيقة المؤلمة أن الشعوب هي من تدفع الثمن، سواء في زمن الحرب أو حتى في زمن السلام المشوه. لذلك، فإن المسؤولية الأخلاقية والسياسية تقع على عاتق صناع القرار، والمؤسسات الدولية، والقيادات المجتمعية، التي يجب أن تتبنى ثقافة الوقاية لا ثقافة الرد. فبناء السلام يبدأ من الإنصات، وإعطاء الأولوية للحوار، والإيمان بأن قوة الدولة لا تقاس بحجم ترسانتها، بل بقدرتها على تجنيب شعبها ويلات الصراع.
الحروب تدمر، والمفاوضات تبني. وبينهما تقف الدول على مفترق طرق، يحدد مصيرها واختبار إنسانيتها. فليكن الخيار دوما للسلام، لأن تكاليف الحرب، وإن انتصر فيها طرف، تبقى خسائرها أبدية في وجدان الشعوب.
قراءة: ا.د جيهان رجب
أستاذ بجامعة عين شمس