القيادة برؤية وعطاء: تأملات في تجربته| د. نجلاء الجعفري تكتب: «الدكتور ممدوح مكاوي: نموذج القيادة النزيهة والتعاون الحقيقي في كلية الإعلام جامعة بني سويف»

لستُ ممن اعتادوا كتابة مقالات تهنئة بمناسبة تولي المناصب، فغالبًا ما أكتفي باتصال هاتفي أو تعليق مقتضب على منشور، وأحيانًا لا أتجاوز مجرد تهنئة عابرة. لكن هذه المرة مختلفة. حجم التهاني والتبريكات التي غمرت مجموعات أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة على تطبيق واتساب، فضلًا عن المنشورات المتدفقة على الحسابات الرسمية للكلية وعلى حساب الأستاذ الدكتور ممدوح مكاوي نفسه، جعلتني أؤمن أن التهنئة هذه المرة لا تكفيها مكالمة، ولا تليق بها منشورات إلكترونية فقط. فالدكتور ممدوح مكاوي يستحق كلمات أعمق، وتهنئة تُكتب من القلب في مقال صحفي.
من وجهة نظري، فقد تميز جميع المرشحين لمنصب العمادة لكلية الإعلام جامعة بني سويف هذا العام الدراسي بصفات رائعة ومهارات متميزة تستحق التقدير. وقد شاءت إراده الله أن يكون الأستاذ الدكتور ممدوح مكاوي هو من يقع عليه الاختيار، ففرحنا له كما كنا سنفرح لأيٍ من المرشحين، لما لهم جميعًا من تقدير واحترام، فعلاقة دكتور ممدوح بزملائه من الأساتذة بالكلية، ممن ترشحوا معه لمنصب العمادة، مثالًا يُحتذى به في الرقي والود، فقد كانوا أول من سارعوا إلى تهنئته وتقديم المباركة له، في مشهد يعكس روح الزمالة الحقيقية والاحترام المتبادل بينهم.
وما لفت انتباهي وأعجبني بشدة أكثر من علاقة الدكتور ممدوح بزملائة من ترشحوا معه، علاقة الأستاذ الدكتور عبد العزيز السيد، عميد كلية الإعلام السابق بجامعة بني سويف، والدكتور ممدوح مكاوي العميد الحالي، ذلك الاحترام المتبادل والتقدير العميق بين الطرفين، حيث كان كل منهما يُدرك جيدًا قيمة الآخر ومكانته. الدكتور عبد العزيز كان دائمًا يدفع الدكتور ممدوح للترشح، إيمانًا منه بكفاءته، بينما كان الدكتور ممدوح يفضل أن تستمر مسيرة الدكتور عبد العزيز، احترامًا لما قدمه للكلية. كانت علاقة نادرة، قلما نجد مثلها في مؤسساتنا الأكاديمية والإعلامية، علاقة قائمة على الثقة والتكامل لا على التنافس أو المصالح.
حقيقي أجد نفسي ممتنة لكليهما، الأستاذ الدكتور عبد العزيز السيد والأستاذ الدكتور ممدوح مكاوي، فلقد قدّما لنا – نحن أعضاء هيئة التدريس من الجيل الأصغر – درسًا ثمينًا لا يتعلق بالمنافسة أو الصراع، بل يرتكز على دعم الكفاءات الحقيقية وتشجيع الكوادر الجيدة. درسا عنوانه الأسمى: النُبل في التعاون، لا التنافس غير النزيه.
في هذا السياق، أود أن أتحدث عن الأستاذ الدكتور ممدوح مكاوي بشكل خاص، كونه الأخ والزميل الذي أعرفه عن قرب منذ سنوات طويلة. فقد تعيّنا سويًا في قسم الصحافة بكلية الآداب – جامعة بني سويف، بعد أن تقدمنا للإعلان ذاته عام 2010، وتم تعييننا معًا في العام التالي 2011. ومنذ ذلك الحين، جمعتني به سنوات من الزمالة والعمل، رأيت خلالها التزامه الأكاديمي وأخلاقه المهنية عن كثب سواء في قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة بني سويف أو في كلية الإعلام جامعة بني سويف بعد انشائها عام 2013.
“منذ الوهلة الأولى للتعامل معه، يترك الدكتور ممدوح مكاوي انطباعًا بأنه ابن بلد أصيل، يتحلى بكرم المعرفة وروح الزمالة. لم يبخل يومًا على طالب أو زميل بمعلومة قد تنفعه، وكان دومًا مثالًا للنزاهة والوضوح. لا يسعى للدخول في صراعات، ولا يحمل في قلبه ضغينة لأحد، كما أنه يحرص على تجنب الاستقطابات أو إنشاء تكتلات داخل بيئة العمل، ويُفضّل التركيز على مهامه الأكاديمية والإدارية بعيدًا عن النقاشات الجانبية أو المهاترات”.
“من أكثر اللحظات التي لامست قلبي، حين قرأت منشورًا على فيسبوك لأحد الطلاب المعروفين بعناده وتمرده المستمر على قرارات الكوادر الأكاديمية بالكلية. هذا الطالب، الذي كثيرًا ما عبّر عن رفضه للقيود المؤسسية، كتب بشفافية وامتنان يشكر فيها الدكتور ممدوح مكاوي على ما قدّمه من دعم وتفهّم خلال فترة عمله كوكيل لكلية الإعلام لشؤون التعليم والطلاب. حينها، أدركت بوضوح مدى كفاءة الدكتور ممدوح مكاوي، لا من خلال قراراته فقط، بل من أثره الإنساني الذي وصل إلى أكثر الطلاب صعوبة في التفاعل.
كتب الطالب: “أنا بعتبر نفسي محظوظ، بل أكثر الناس حظًا، إني لحقت دكتور ممدوح وكيل لشؤون التعليم والطلاب في آخر سنة ليا.. على قد ما أنا زعلان إنها سنة واحدة، على قد ما أنا فرحان إني خرجت بمعرفة شخصية لطيفة وخفيفة على القلب بشكل تعجز الكلمات عن وصفه”. هذا المنشور وحده، الصادر من طالب اعتاد النقد لا المجاملة، كان كافيًا ليثبت أن الدكتور ممدوح لم يكن فقط كفئًا في المنصب الذي شغله، بل جديرًا بثقة أكبر ومناصب أوسع.
كما أثبتت لي رسائل زملائنا في كلية الآداب بجامعة بني سويف – الكلية التي بدأنا فيها مشوارنا الأكاديمي قبل إنشاء كلية الإعلام – مدى ما يحمله الدكتور ممدوح مكاوي من رصيد من المحبة والاحترام في كل مكان عمل به. فرغم تهنئتهم له عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أصرّ العديد منهم على طلب رقمه الشخصي لإرسال التهاني مباشرة، ما يدل على أنه ما زال يحتفظ بمكانة خاصة في قلوب زملائه، أينما وُجد”.
على مدار أكثر من ثلاثة عشر عامًا من عملي في جامعة بني سويف، لم أشهد هذا القدر من الالتفاف حول عضو هيئة تدريس كما شهدته مع الدكتور ممدوح مكاوي. كان المشهد فريدًا؛ إذ لم يكن هو من يسعى إلى المنصب، بل كنا نحن من نُلح عليه مرارًا ليترشح. كنت أسمعه يتردد في قبول الترشح، بينما نحاول بكل إخلاص أن نقنعه: كيف له أن يتراجع ونحن نحتاج إلى شخص مثله؟ شخص يجمع في شخصيته المهنية والإنسانية كل الصفات التي ذكرناها؛ النزاهة، الإخلاص، الحكمة، والتواضع.
من أجمل ما يميز الدكتور ممدوح مكاوي علاقته الطيبة مع جميع زملائه، فهو يتعامل مع الجميع بمكيال واحد، دون تمييز أو تحيّز. دائمًا ما يردد عبارة واحدة أصبحت عنوانًا لأسلوبه في الإدارة: “كله باللوائح والقوانين”. لا يستثني أحدًا، ولا يغيّر مبادئه من أجل أحد. وربما لهذا السبب لم نجد يومًا ما يدفعنا للغضب منه؛ لأنه ببساطة لا يُفضّل أحدًا على أحد، ولا يسمح للمجاملات بأن تتدخل في قراراته. وهذا بالضبط ما يجعل احترامنا له يزداد يومًا بعد يوم؛ فكلما تعاملنا معه أكثر، ازددنا قناعة بأنه يستحق هذا التقدير، وكلما اقتربنا منه أكثر، أحببناه واحترمناه بصدق أكبر.
فما لاحظته في الدكتور ممدوح مكاوي أنه يختلف عن كثيرين ممن يطلبون تنفيذ القرارات دون توضيح خلفياتها أو أهدافها. فهو لا يكتفي بإصدار التعليمات، بل يشرح لنا دومًا لماذا يُتخذ هذا القرار، ولماذا في هذا التوقيت بالذات، وكيف سينعكس ذلك إيجابًا على سير العمل مستقبلًا. هذا الأسلوب يعزز شعورنا بالثقة ويجعلنا نؤمن بأننا جزء من منظومة تُدار بالعقل والحكمة، لا بالأوامر المجردة.
بالفعل، لم أقابل في حياتي المهنية إلا قلة يشبهون الدكتور ممدوح مكاوي: فهو لا يتعامل مع المنصب كمظهر أو مكسب، بل كعبء ومسؤولية، يحملها بصدق، ويسعى من خلالها إلى تقديم ما ينفع الجميع، ويصنع فارقًا حقيقيًا في بيئة العمل.
من خلال عملي كعضو في فريق الإرشاد الأكاديمي بقسم الصحافة، وعضويتي في لجنة الجدول خلال الترم الأول العام الدراسي الحالي، لمست عن قرب طبيعة أداء الدكتور ممدوح مكاوي. هو من أولئك القلائل الذين يفضلون العمل بأيديهم، يحرص على أن يضع بصمته الخاصة في كل تفصيلة، لا يكتفي بتكرار ما فعله من سبقوه، بل يكمل ما بدأوه ويضيف إليه بحسّ إبداعي واضح. لا يستخدم أسلوب الأوامر أو التوجيه الفوقي مع أعضاء الهيئة المعاونة، بل يبدأ العمل بنفسه، يشرح، يوضح، يفتح لهم الطريق، ثم يدفعهم للاستمرار والاستقلال بثقة ودعم.
وحين شاركتُ في أعمال الكنترول خلال الفصل الدراسي الثاني من هذا العام، لم نواجه عقبة إلا وكان للدكتور ممدوح مكاوي فيها يد الحل. كان دائمًا يقول لنا بثقة وهدوء: أي عائق يعترض طريقكم، سأزيله من أمامكم. لم تكن مجرد كلمات، بل كان يترجمها إلى أفعال، يسبقنا إلى المشكلات قبل أن نستغيث، ويمنحنا إحساسًا حقيقيًا بأننا نعمل في بيئة يسودها الدعم والتعاون والاحترام.
“أخي الدكتور ممدوح، لن أقول لك: مبارك عليك هذا المنصب، بل أقول: مبارك لكلية الإعلام جامعة بني سويف على وجودك في هذا المنصب. ومبارك لأعضاء هيئة التدريس، ولأعضاء الهيئة المعاونة، وللموظفين، ولطلاب الكلية جميعًا، أن يكون على رأسهم من يحمل هذا القدر من الإخلاص والتواضع والجدارة”.
وعلى قدر ما أبارك للدكتور ممدوح مكاوي توليه هذا المنصب، على قدر ما أشعر بحاجة لأن أبلغه أنني أدعو له بصدق. فمن مثله لا يتزين بالمنصب، بل يضعه على عاتقه مسؤولية وأمانة. ولهذا، أدعو الله أن يوفقه ويعينه في كل خطوة قادمة، وأن يسدد طريقه لما فيه الخير له وللكلية.
الدكتورة نجلاء الجعفري
مدرس الصحافة بكلية الإعلام جامعة بني سويف

