أهم الأخبارمقالات

د. نجلاء الجعفري تكتب: «صلصال» موقع صنع بقلوب طلاب قسم الصحافة بجامعة بني سويف لأجل عقول الأطفال

الثلاثاء 20 مايو، 2025 | 7:34 ص

في ظل غياب محتوى آمن وموجه للأطفال على المنصات الرقمية، أدرك 16 طالب وطالبة من طلاب الفرقة الرابعة بقسم الصحافة كلية الإعلام جامعة بني سويف خطورة ما يتعرض له الطفل من مشاهد وعادات وسلوكيات غير مناسبة لمرحلته العمرية على المواقع والتطبيقات، فقرروا أن يكون مشروع تخرجهم أكثر من مجرد تدريب أكاديمي، بل مبادرة حقيقية تسعى لتقديم محتوى إعلامي تربوي، يدمج بين الترفيه والتعليم، ويعزز القيم والمفاهيم البناءة لدى الطفل المصري والعربي.

ويمكن القول أن هؤلاء الطلاب أظهروا هذا العام وعيًا عميقًا بدورهم كإعلاميين في التصدي للاستخدام غير الآمن للأطفال لمواقع التواصل الاجتماعي، ومن وجهه نظري فأنني أرى أن مشروع تخرج هؤلاء الطلاب “موقع صلصال” يعكس استجابتهم الذكية والمسؤولة، فإطلاق موقع إلكتروني تربوي شامل يتضمن بوابتين الأولى للأطفال والثانية لأسرهم يهدف إلى بناء وعي جيل جديد بطريقة متزنة وممتعة يدل على أننا أمام نموذجًا واعدًا لما يجب أن تكون عليه علاقة الصحفي بالمجتمع، بدءًا من أصغر أفراده.

“صلصال” ليس مجرد اسم؛ بل يعكس فلسفة تقوم على تشكيل وعي الطفل بلُطف ومرونة، كما يُشكَّل الصلصال، من خلال فيديوهات توعوية، وألعاب تعليمية، وقصص تربوية جذابة، تتناسب مع خصائص المراحل العمرية للأطفال، وتراعي ثقافتهم وهويتهم.

يقدم موقع صلصال” من خلال بوابة الأطفال محتوى علمي وترفيهي وتربوي يحمل الطابع الوطني، ويعزز القيم الإيجابية، وذلك باستعراض قصص ملهمة، وبرامج تعليمية، وعروض للمواهب، ومحتوى قصصي جذاب يناسب مرحلة الطفولة، بما يُشبع فضول الأطفال دون أن يغرقهم في عالم رقمي غير آمن.

ومن أجمل الأشياء التي جذبتني لهذا المشروع أنهم لم ينسَوا دور الأسرة في هذا البناء، فأطلقوا بوابة موازية لبوابة الأطفال وهي بوابة الآباء والأمهات، تحتوى هذه البوابة على موضوعات صحفية تقليدية (تقارير إخبارية وحوارات وتحقيقات) وحلقات بودكاست احترافية تتناول موضوعات مهمة مثل: حماية الأطفال من التحرش، وكيفية التعامل مع الأبناء في ظل التكنولوجيا، وأهمية المتابعة الرقمية، ودور الرياضة في تنمية مهارات الأطفال.

هذا المشروع جذبني سريعا والأجمل أن ألوان الموقع جذبت ابني الصغير ذو الست سنوات حبيبي حمزة كما التقط هذا الصغيرهديتى التذكارية التي قدمها طلابي لي أثناء مناقشة المشروع والتي تحتوى أيضا على ألوانهم الجذابة وعلى اللوجو الخاص بموقعهم وشخصياتهم الكرتونية وقال لي هذا الصغير بكل ثقة “هذه هديتي”! اتصلي بمن أرسلها لي معك كي أشكره وبالفعل اتصلت بالطالب الذي سلمها لي وشكره، وهذا خير دليل على أن اختيارهم للألوان كان رائعا، فلم يتعامل طلاب مشروع التخرج على أن “موقع صلصال” مجرد تدريب عملي لما درسوه في مقرر مشروع التخرج، بل رأوه رسالة حقيقية من شباب الصحافة للمجتمع، وكأنهم يقولون لنا “إن كان الطفل هو مستقبل الوطن، فواجبنا أن نرعاه بالمعرفة قبل أن تربيه الشاشات وحدها”.

ولأن التعليم حق للجميع، لم يغفل طلاب مشروع “صلصال” الأطفال من ذوي الهمم، فابتكروا سلسلة فيديوهات سلوكية بلغة الإشارة تستهدف تعليم الأطفال من ذوي الإعاقة السمعية سلوكيات حياتية وتربوية بسيطة بأسلوب مبسط وجذاب. وقد استعان الطلاب بمترجم لغة إشارة معتمد لضمان دقة الرسائل ووصولها بأفضل صورة ممكنة، في محاولة حقيقية لجعل الموقع شاملًا ويراعي احتياجات جميع الأطفال دون استثناء.

كما لم ينسَ فريق “صلصال” الأطفال من ذوي الإعاقة البصرية، فخُصص لهم قسمًا على المنصة يضم قصصًا كرتونية مسجلة صوتيًا، تراعي الوصف التفصيلي للأحداث والمشاهد بأسلوب سردي شيّق يساعد الطفل الكفيف أو ضعيف البصر على تخيّل الشخصيات والمواقف، وتنمية خياله، وإشراكه في المحتوى التربوي والترفيهي كما أقرانه من الأطفال.

يجب ألا يُنظر لمشروع “صلصال” على أنه مجرد مشروع تخرج، بل يجب اعتباره نواة حقيقية لمبادرة وطنية تربوية، تستحق أن تتبناها الجهات المعنية بالدولة، من وزارات التعليم والإعلام والثقافة، وحتى المؤسسات المختصة بالطفولة والأسرة. أرى هذا النوع من المشاريع يُعبّر عن وعي شبابي ناضج بمشكلات مجتمعه، ويُقدم حلولًا مبتكرة بأسلوب يتماشى مع أدوات العصر. لذا، فإن دعم “صلصال” ماديًا ومعنويًا، وتوفير منصات حقيقية لانتشاره، يمكن أن يضمن له الاستمرارية، ويحوّله من فكرة شبابية إلى مشروع قومي يُسهم في بناء وعي الطفل المصري وحمايته في عصرٍ تتداخل فيه المؤثرات دون رقيب.

في النهاية أشكر طلابي، الزهراء عادل، إسراء خالد، إيمان خالد، إيمان وليد، آية سمير، حازم محمد، جنى محمد، دينا منتصر، رحمة إبراهيم، ريمون أشرف، فيرينا أنيس، محمد حسني، مرام محمد، مصطفى رجب، منة الله صفوت، ميرنا مجدي من لم تتح لي الفرصة أن أشاركهم في هذا العمل لكن اتيحت لي الفرصة كي أدرس لهم مسبقا مقررات أخرى- على هذا الإبداع من حيث إدارة الفريق والتصميم وطريقة التنفيذ والتسويق وعلى روح الفريق التي استولت عليهم فما ميّز مشروع “صلصال” بحق لم يكن فكرته أو هدفه النبيل فقط، بل روح الفريق التي كانت حاضرة في كل تفصيله.

فقد شكّل الطلاب فريقًا متكاملًا من المحررين والمصممين والمخرجين ومسئولي المونتاح، فعملوا بتناغم تام جعل كل موضوع يُنشر على الموقع يعكس تعددية روعة وجمال ما يقدموه.

أعتقد بعد خبرة 5 سنوات أشرفت فيها على مشروعات تخرج أن هذا التنوع لم يأتِ صدفة، بل كان ثمرة لنقاشات مستمرة وتعاون حقيقي بين أعضاء الفريق، مما أضفى على المحتوى عمقًا وتوازناً بين الجانب التربوي والعلمي والترفيهي. فروح “صلصال” الجماعية كانت الوقود الذي حرّك المشروع من كونه مجرد فكرة إلى تجربة إعلامية نابضة بالحياة.

هذه التجربة التفاعلية النابضة بالحياة تدفعني الآن إلى أن أشكر الأستاذ الدكتور عبد العزيز السيد عميد كليتي الغالية التي أعمل بها كلية الإعلام جامعة بني سويف، وكذلك كل من أخى العزيز المحترم الأستاذ الدكتور ممدوح مكاوي، وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب، والأستاذة الدكتورة نسرين حسام الدين رئيس قسم الصحافة على الحرية التي منحوها للطلاب في اختيار الموضوعات وطريقة تنفيذها، كما دفعتني أيضا أن أشكر زملائي الأعزاء المشرفون على مشروع صلصال من أطلقوا لطلابهم العنان للإبداع وعلى رأسهم أختي وصديقتي العزيزة على قلبي الدكتورة أمنية عبد الرحمن الأستاذ المساعد بقسم الصحافة، والدكتورة إسراء عبد الرحمن المدرس بالقسم، وكل من الأستاذة سمر كمال المدرس المساعد بالقسم، الأستاذة فاطمة فتحي والأستاذة مي ربيع المعيدتان بالقسم، كما أهنئهم واهنئ طلابي الأعزاء بالجائزة التي حصلوا عليها خلال مهرجان تحكيم مشروعات التخرج أول أمس الأحد الموافق 18 مايو 2025 وهي (جائزة أفضل فكرة وتصميم).

في النهاية، أود أن أقول أن لجنة تحكيم مشروعات التخرج – المكونة من الأستاذ الدكتور أبو بكر الصالحي، أستاذ الصحافة وتكنولوجيا الاتصال بكلية الإعلام واللغات التطبيقية بجامعة النهضة، والدكتورة فاطمة فايز أستاذ الصحافة المساعد بقسم الصحافة بالكلية، بالإضافة إلى الدكتور أحمد شحاته أستاذ الصحافة المساعد بقسم الصحافة بالكلية- ستساهم بدور محوري في صقل الفكرة وتطوير الموقع، من خلال ملاحظاتهم الدقيقة وتعليقاتهم البنّاءة. فقد قدم أعضاء اللجنة رؤى مهنية فريدة، شملت اقتراح أفكار جديدة لتوسيع المحتوى وتجويده، إضافة إلى التأكيد على ضرورة الاستدامة وتحديث المنصة باستمرار بما يواكب تطورات عالم الطفل والأسرة. هذه التعليقات لم تكن مجرد تقييم أكاديمي، بل كانت بمثابة خارطة طريق ستساعد الفريق على الارتقاء بالمشروع من نسخة أولية واعدة إلى منصة متكاملة تنبض بالاحترافية والوعي المجتمعي.