أهم الأخبارمقالات

د. محمود فوزي يكتب: التبادل الاجتماعي بين وجهي القمر

السبت 8 فبراير، 2025 | 5:48 م

يسعى الإنسان إلى الانغماس والانخراط فـي التبـادلات الاجتماعية والعلاقات الإنسانية التي تحقـق له أقصى مستويات الثقة، والدعم المعنوي؛ التي تتجاوز التبادلات الاقتصادية البحتة؛ فعلى عكس المعاملات الاقتصادية، تعد شروط ومعايير التبادل الاجتماعي وأساليب سداده غير معروفة مسبقًا.

فلا يتوقع الناس عوائد مادية ملموسة دائمًا؛ بل يفضلون تبادل خبراتهم، وجهودهم، ومشاركة معلوماتهم ومعارفهم مقابل عوائد معوية وعاطفية غير ملموسة، مثل المكانة الاجتماعية، والاحترام، والتقدير الأدبي؛ وما ينجم عنها من نتائج ومخرجات إيجابية؛ تؤدي إلى تقليل المخاطر، وزيادة مستويات التعاون والتنسيق المشترك، وتعزيز العلاقات الإنسانية بين الأفراد.

ولا يمكن للتبادلات الاجتماعية أن تضمن كون العائد والمردود مساويًا للتكلفة؛ بل يعتمد ذلك على الإيمان واليقين التام بقيمة العائد المتبادل، وكلما كانت أفعال الشخص وتصرفاته أكثر قيمة بالنسبة له؛ كلما كانت زادت احتمالات قيامه بهذه السلوكيات وتبني هذه الاتجاهات؛ حيث أن استمرار التفاعل بين الناس مرهون باستمرار المكاسب المتبادلة التي يحصلون عليها من جراء التفاعل.

وتؤثر طبيعة العلاقات الاجتماعية على التبادلات النفسية؛ فكلما كانت العلاقة بين الطرفين قائمة على التبادلات الإنسانية التعددية بين الأقران والمعارف أو زملاء العمل والدراسة؛ كلما زادت التبادلات النفسية سواء إيجابية أو سلبية؛ بينما يتم تقليص مستوى هذه التبادلات مع من يتم رؤيتهم، والتعامل معهم على فترات متباعدة؛ سواء لظروف سفر أو انتقال للعمل بأماكن أخرى؛ ويرجع ذلك لتباين مستوى المقارنة والمسافة الاجتماعية بين طرفي عملية التبادل.

وعلى الصعيد المؤسسي، فعندما لا تراعي البيئة التنظيمية سيادة الاعتبارات والقيم الأخلاقية التي ينبغي أن تحكم طبيعة العلاقات والتفاعلات بين الموظفين؛ يحدث انتهاكًا للعقد النفسي من قبل المنظمة غير الوفية بوعودها والتزاماتها؛ ما من شأنه خفض مستوى الثقة والروح المعنوية للعاملين؛ حيث ترتبط تصوراتهم عن المنظمة بمعاني الظلم، والخداع، وازدواجية المعايير، والتعسف، والإيذاء الشخصي، وتعطيل الحياة.

ومن ثم تتدهور مستويات الأداء التنظيمي، وتتدني معدلات الكفاءة الإنتاجية؛ ويتم تدمير علاقات العمل؛ تلك العلاقات التي يشوبها الطابع البيروقراطي والصورة المتعسفة الصلبة المقاومة للتغيير، وتتفشي مشاعر الإحباط والرسوب الوظيفي، والغضب، والضغينة، والأنانية، والسعي نحو الانتقام، وإلقاء اللوم، وتغليب المصلحة الذاتية الشخصية على غايات العمل وأهدافه المؤسسية، وجميعها إفرازات للصراعات التنظيمية، التي تنجم من رحم البيئة الإدارية الفاسدة.