أهم الأخبارمقالات

د. يارا إسماعيل تكتب: الكفاءات البشرية هي الكنز الحقيقي للأوطان

الخميس 19 ديسمبر، 2024 | 3:55 م

الكفاءات البشرية هي الركيزة الأساسية في عملية التنمية، وهي حجر الزاوية لتحقيق التطوير على كافة الأصعدة، ولهذا نجد الدول الطموحة تضع تنمية العنصر البشري على قائمة أولوياتها، فهي تدرك جيدًا أن الاعتماد على ما تؤمنه الطبيعة من موارد وكنوز طبيعية غير كافي، وأن الاستثمار الحقيقي ينبغي أن يكون في صناعة الإنسان.

تُعدّ الصين واحدةً من هذه الدول الطموحة، التي يدرك فيها أصحاب القرار أهمية العمل على تنمية الكفاءات البشرية، وفي الوقت ذاته، تحرص الصين على تعميق التعاون العملي بين أبنائها وأصحاب المواهب والكفاءة المنتمين إلى دول العالم المختلفة، إذ ترفع الصين شعار: “بناء عالم عادل يتمتّع بالتنمية المشتركة”.

لقد كان لي شرف حضور مؤتمر تبادل الخبرات الدولي في دورته الثانية والعشرين، التي انعقدت في مدينة شانغهاي الصينية في الفترة من ١ إلى ٣ نوفمبر الماضي. المؤتمر هو من تنظيم وزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي الصينية والحكومة الشعبية لبلدية شانغهاي، وقد تمحور هذا العام حول موضوع “التقاء الخبرات القادمة من مختلف دول العالم، وتحقيق التعاون والفوز المشترك”.

شهد المؤتمر حضور ما يزيد عن ١٣٠٠ خبير أجنبي، وممثلين عن الجهات الحكومية والجامعات والهيئات ذات الصلة، حيث يُعدّ المؤتمر هو الفاعلية الأوسع نطاقًا والأقوى تأثيرًا على مستوى الصين في مجال تعزيز التبادل الدولي بين الكفاءات البشرية.

أُقيم على هامش المؤتمر ما يزيد عن ٤٨ فاعلية، من جانبها نظمت جامعة بكين للدراسات الأجنبية فعاليتين، جاءت أحدهما تحت عنوان “بناء التفاهم الدولي من خلال الدراسات الإقليمية والدولية”، فيما أُقيمت الأخرى تحت عنوان “التبادلات بين الحضارات والانتشار العالمي للثقافة الصينية في العصر الجديد”.

وقد شارك في الفعاليتين ما يزيد عن ٣٠ خبيرًا وباحثًا معروفًا، وفدوا من ٢٠ دولة، للتباحث معًا وتبادل الخبرات والأفكار.

كم أسعدني أن أكون واحدةً من ضمن هؤلاء الباحثين، خاصةً أن التقيت من خلال هذه الفاعلية مع الأساتذة من جامعة بكين للدراسات الأجنبية، وهي الجامعة التي حصلت على منحة للدراسة فيها أثناء إعدادي لرسالة الدكتوراة، فدرست بها لمدة عامين، حققت فيهما استفادةً كبيرةً في جوانب متعددة، لم تكن على الصعيدين المهني والعلمي فحسب، بل وحتى على الصعيد الشخصي كذلك. لقد قدمت لي الجامعة نموذجًا رائعًا للمؤسسات الصينية الساعية إلى صقل المواهب وتنمية المهارات وإعداد الكفاءات، إيمانًا منها بأن الإنسان هو عمود الحضارة الإنسانية وثروتها.

وتحمل الجامعة على عاتقها مهمة إعداد أشخاص متقنين لمختلف اللغات الأجنبية قادرين على تمثيل الصين بشكل مشرّف في مختلف المحافل الدولية، والمساهمة في بناء جسور الود والتعاون بين الصين ودول العالم المختلفة.

بعد انتهاء المؤتمر، نظمت لنا الجامعة رحلة نهرية، استمتعنا فيها بالمناظر الليلية لمنطقة بودونغ الجديدة الواقعة على الضفة الشرقية لنهر هوانغبو وعند مصب نهر اليانغتسي. يُذكر أن هذه المنطقة كانت في الأصل قرية صغيرة يعيش سكانها في فقر مدقع، لكنها اليوم واحدة من أهم المناطق الاقتصادية على مستوى العالم، وهي القلب النابض لمدينة شانغهاي، فيها يوجد برج لؤلؤة الشرق، ومركز شانغهاي المالي العالمي، وبرج جين ماو المكون من ٨٨ طابقًا، وناطحات السحاب الشاهقة التي تلمس من خلالها حيوية مدينة شانغهاي.

الحقيقة أن منطقة بودونغ لم تكن أرضها تكتنز المعادن والموارد الطبيعية، وإنما كانت الكفاءات البشرية هي الثروة الحقيقية التي انتشلت هذه المنطقة من الفقر، لتصبح بودونغ خير نموذجًا يبرهن لنا أن الاستثمار في الإنسان هو المشروع الذي لا يخسر، وأن الكفاءات البشرية هي الكنز الحقيقي الذي لا ينضب.

الدكتورة يارا إسماعيل
مدرس بقسم اللغة الصينية جامعة القاهرة ومترجمة وباحثة متخصصة في الشؤون الصينية