أمنية الإمام تكتب: البيئة الجامعية بين الفضيلة والضغينة
يكمن جوهر الرفاهية البشرية في خضم الفضيلة الأخلاقية ذات الأبعاد والمعاني الإنسانية السامية؛ تلك المعاني ذات الركائز الرصينة والأسس الفلسفية الراسخة غير القابلة لثمة دحض أو تغيير.
ويمكن للمؤسسات الجامعية كبيئة تنظيمية يسودها العديد من القيم والمفاهيم التنظيمية مجابهة فيضان المتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية والاقتصادية التي تواجهها مثل (انخفاض مستوى الأمن الاقتصادي، التنوع الثقافي للموارد البشرية، تفاوت أساليب الإدارة والتخطيط الإستراتيجي، تضاؤل فرص العمل المتاحة، احتدام مستوى التنافسية في سوق العمل) بدعوى الحاجة الملحة لبلوغ ثقة عملائها، ونيل الدعم التنظيمي المدرك لدى جهورها الداخلي؟.
لقد أفرزت إشكالية التوازن بين مثاليات العلم وسلوكه الواقعي مفهوم الشركات الفاضلة؛ فصار لدينا نظم قائمة علي إدارة الموارد البشرية الخضراء، وصار لدينا وسطا جامعيا يعلي قيم العلم ويرتقي بمهارات الأكاديميين؛ ويطور مجالهم المهني؛ كي ينعكس علي التأهيل الدراسي والتطبيقي للطالب متلقي الرسالة التعليمية.
هذه الجامعات كغيرها من المنظمات قادرة على تخطي مبادرات المسئولية المجتمعية بشقيها الداخلي والخارجي؛ التي قد تقوم على علاقات الربحية المتبادلة؛ بهدف حصد ميزةٍ تنافسية ما أو نيل اعتراف خارجي، أو لتعزيز صورتها الذهنية الطيبة؛ ذلك لأن ممارسات الفضيلة التنظيمية؛ تترفع عن كل هذه الاعتبارت؛ من أجل بلوغ مختلف مظاهر النفع للآخرين؛ ودعم مقومات السلوك الاجتماعي الإيجابي؛ بغض النظر عن انتظار المكافأة، أو مبدأ المعاملة بالمثل.
فعلى نقيض المعاملات والتبادلات الاقتصادية، تعد شروط التبادل الاجتماعي التنظيمي، وآليات سداده غير معروفة بشكل مسبق، لأن الأشخاص لا يتوقعون – دومًا- جني العوائد المادية؛ بل يفضلون – أحيانًا- تبادل خبراتهم وجهودهم النظرية والعملية مقابل عوائد ومزايا أخرى معنوية غير ملموسة، مثل المكانة الاجتماعية، والثقة التنظيمية، والتقدير الأدبي، والتحفيز المعنوي؛ وما ينتج عنها من نتائج إيجابية؛ متمثلة في رصيد رأس المال الاجتماعي والمؤسسي للمنظمة.
وتبدأ الشركات عمليات التبادل الاجتماعي التنظيمي؛ عبر تقييم إسهامات وجهود موظفيها؛ على نحو مواز من دعم شئون ومصالح العاملين، وتوفير ضمانات تحقيق العدالة والثقة التنظيمية، وبالتالي يمتثل الموظفون لنظم وقواعد المنظمة؛ حيث تقتضي مدركاتهم ضرورة ووجوب تبني مفهوم الالتزام التنظيمي، وتبادل المعاملات المؤسسية الفاضلة مع منظماتهم؛ والسعي نحو نجاحها، والعمل على بلوغ أهدافها الإستراتيجية؛ وفقًا لسلسلة مستديمة من علاقات الأخذ والعطاء المستقلة بين الطرفين.
وفي محاولة لتفسير السلوك الإنساني والتكوين البنائي للعلاقات التنظيمية؛ فإن العاملين يميلون إلى الاستجابة لمؤسساتهم بسلوكيات عمل إضافية؛ عندما يشعرون أنها تستثمر فيهم، وكذلك عند حصولهم بأماكن عملهم على كلتا الموارد الاقتصادية الملومسة، والاجتماعية غير الملموسة؛ ما يدفعهم نحو تعويض مؤسساتهم بتصرفات وسلوكيات مثلى؛ تواكب الثقافة التنظيمية السائدة؛ حيث تؤدي تجارب العمل الإيجابية إلى توليد رغبة الموظفين في البقاء والاستقرار الوظيفي بمنظماتهم، وتحفيز دوافعهم نحو الاستفادة من مواردها، وجني ثمار أعمالهم وجهودهم.
في المقابل يؤدي تقليص درجات الفضيلة التنظيمية إلى انتهاك واختراق العقد النفسي من قبل المؤسسة غير الوفية بوعودها والتزاماتها؛ ما من شأنه تدني مستوى الثقة والتحفيز المعنوي للموظفين؛ فتقترن مدركاتهم عن المنظمة بمعاني الجور، والظلم، والبيروقراطية، والتعسف الإداري، والإيذاء النفسي وازدواجية المعايير، ومن ثم تدهور الأداء الوظيفي؛ ووأد معاني الابتكار التنظيمي، وتفشي مشاعر الضغينة، والسعي إلى الانتقام، والإلقاء المتكرر للأعباء الثقيلة في وجه المنظمة “القبيح” من أجل تشويهه.